شاهدت الكاتب والروائي الصيني (مو يان) الحائز على جائزة نوبل في حوار مطول على فضائية الصين وكانت شخصيته الطريفة أخاذة ومسترخية في الحوار الذي خلا من عبارات التمجيد والتوصيفات التي يبالغ الإعلاميون العرب في إضفائها على ضيوفهم، ورغم خجله وتواضعه الجم فإن شخصية مو يان تتمتع ببساطة محببة وحس ساخر يقظ وتلقائية نفتقدها في الحوارات الثقافية المكرسة للكتاب والمشاهير عندنا.
وهو كمعظم الصينيين حريص على الابتسامة والاسترخاء على نقيض معظم مثقفينا العراقيين والعرب المتجهمين والعابسين ممن يتصنعون الصرامة ليمنحوا هيآتهم امتياز الاختلاف عن البشر في تلقائيتهم وسخريتهم ولا نستثني من ذلك الكتاب والشعراء الشباب في لقاءاتهم المتلفزة حيث العبوس والتجهم والاستخدام المفرط للمصطلحات المستعارة من النقد والفلسفة الغربيين والتي خلا منها حديث مو يان تماما، وقد يقول أحدنا إن مجتمعاتنا الضاغطة وظروفنا المفجعة والحرمان المتواصل من الحياة الإنسانية السوية - لها دورها في تكريس سمة العبوس والتجهم وفقدان الطلاقة في الحديث.
كان مو يان يطلق الفكاهات مثل فتى صغير ويرتدي جاكيتا رياضيا دون ربطة عنق أو بدلة كاملة ويعترف أمام المذيعة بأنه كان خوافا في صباه واستفاد من خبراته الريفية في الأدب ثم تحول إلى شاب مغامر بعد سنوات المجاعة الرهيبة التي عاشها في الريف حيث كانوا يقتاتون على الإعشاب البرية والجذور ويعترف مو يان بوقاحته وعنف جوعه عندما كان يتشاجر مع أخته ويضربها من اجل قطعة لحم صغيرة..
يقول مو يان: "لقد ترك الجوع انطباعا عميقا في روحي وذهني وأثّر في حياتي وعملي"، وعن انطباعات سنوات الجوع وعذاباتها كتب رواية (الذرة الرفيعة الحمراء) أشهر رواياته التي ترجمت إلى لغات عديدة.
يخبرنا مو يان عن عطشه الدائم منذ طفولته لقراءة الكتب (كانت الكتب من الأشياء النادرة في الريف الجائع وليس بوسعنا الحصول عليها، وكنا نحضر طعامنا بطحن حبوب الذرة بالرحى الحجرية اليدوية وصادف أن لأحد أصدقائي كتاب قصة مصورة (كومكس) وكنت أعمل عندهم على الرحى مقابل أن أقرأ القصة فكان يقرأ لي صفحة واحدة مقابل كل دورة لحجر الرحى، أو يتركني اقرأ فيها وأنا أدير الرحى.. وبعدها بدأت أجوب القرى المجاورة لقراءة الكتب عند من يملكونها ثم أعود إلى قريتي مسحورا.
أول قصص مو يان التي أخذت طريقها للنشر هي قصة (ليلة ربيعية ممطرة) بعد أن رفضت صحف كثيرة نشرها وأعادتها له، يضيف مويان (كنت أحب المغامرة وكنت مقلداً لكتابات الآخرين، وفي شبابي وجدت نفسي جنديا وقائدا عسكريا مقيما في منطقة جبلية وعرة وهناك كتبت قصة متخيلة عن جزيرة وأنا الفتى الذي لم يشاهد جزيرة ولا بحرا، كنت كاتبا مزيفا وكاذبا لأنني اعتمدت في كتابتي على القاموس والموسوعات فجاءت القصة بائسة مفتعلة).
كان مو يان يمر بلحظات صعبة في كتابة الروايات وفي أحيان كثيرة كان يعجز عن متابعة الشخصيات والأحداث فيتركها ويشرع بكتابة رواية أخرى بينما كتب روايته الشهيرة (الحياة والموت) في ثلاثة وأربعين يوما، ثم توقف لعامين عن الكتابة في انتظار الإلهام ويعترف انه يتصرف كإنسان بسيط في الحياة ويشعر بالفرح الغامر عندما ينهي رواية من رواياته ويحتفي بنفسه كما كان يفعل أهله في الريف عند حصاد الذرة ويقول: أليست الرواية حصادا آخرَ لجهد طويل قمنا به؟