في أكثر من مناسبة دعا الرئيس جلال طالباني الأطراف المشاركة في الحكومة إلى نبذ تبادل الاتهامات واستخدام وسائل الإعلام في طرح السياسة ، والدعوة قديمة وأعلنت مع بدء الأزمة السياسية بعد رحيل القوات الأميركية نهاية العام الماضي ، لغرض توفير الظروف والأجواء المناسبة لعقد المؤتمر الوطني ، والحالة العراقية في تبادل الاتهامات تكاد تكون مواجهة بالشتائم ، ويعتقد من يمتلك أكثر من فضائية وجريدة ووكالة أنباء، بأنه يستطيع أن يبطش بخصمه في الجولة الأولى بالضربة القاضية .
الإعلاميون المكلفون بتغطية جلسات مجلس النواب أصبحوا ناقلين للاتهامات والشتائم ، وبعضهم قرر أن يبحث عن ساحة أخرى قد توفر له المعلومة الصحيحة ، وأكثر مراسلي الصحف والفضائيات أدركوا بأن البرلمان لم يعد مصدرا للمعلومات ، وهناك استثناء في هذا الأمر عندما يتعلق بقصد تسريب معلومة تنطوي على اتهام خطير ، وأصحاب التسريبات من النواب باتوا معروفين ،فأحدهم يمتلك قواعد صواريخ كاتيوشا جاهزة للإطلاق على معاقل الخصوم في ساعة الصفر ، وآخر لديه هاون 80 ملم ، والثالث، اتخذ موضع الهجوم في متراسه ليصوب رصاص بندقيته نحو صدور الخصوم ، ليحقق النصر الناجز على الأعداء حفاظا على مسار العملية السياسية استنادا لتصوراته !
مكتب إذاعة دولية في بغداد قرر مؤخرا منع نقل أي تصريح لنائب ينطوي على اتهام لطرف آخر ، لرفضه أن يكون وسيلة لتبادل الشتائم ، واشترط المكتب على من يرغب في إدلاء بتصريح أن يقدم معلومات حول قضية محددة ، تتعلق بتشريع القوانين ، ذات المساس المباشر بحياة العراقيين، وبإمكان وسائل الإعلام الأخرى أن تتبنى هذه الخطوة وتنقذ جمهورها من متابعة مهازل يومية ، جعلت المشهد السياسي بنظر الآخرين ، مهزلة يومية ، اتصفت بها التجربة الديمقراطية بنسختها العراقية .
ما يثير الأسف أن بعض وسائل الإعلام وخاصة عددا محدودا من الفضائيات تحرص دائما على أن تكون حالة تبادل الاتهامات أي الشتائم مادة أساسية لبرامجها ، من دون أن تدرك مخاطر خطابها على السلم الأهلي ، فهي تصر على تهديد التعايش المجتمعي، فانساقت وراء أصحاب الكاتيوشا بنقل تصريحاتهم ، وفي بعض الأحيان تبنيها لتحقيق مآرب توصف عادة بأنها تخدم الجهات الممولة لتلك الفضائيات ، وهذا الخطاب لا يندرج ضمن مفهوم الإعلام المضاد لأنه يخدم مصالح طرف على حساب آخر ، ولكنه يعكس الصورة الواضحة للمهزلة الراهنة.
بعض وسائل الإعلام العراقية حتى الآن لم تعرف بعد أهمية السلطة الرابعة ، فهي إما تكون تابعة لحزب أو تنظيم سياسي ، مشارك في الحكومة ، أو مدعومة منه ، وعلى الرغم من حقها في الدفاع عن حزبها والترويج لأفكاره ومشاريعه وبرامجه ، إلا أنها وطبقا للدستور وأعراف العملية السياسية وقواعدها غير مسموح لها أن تكون عاملا في إثارة صراع قومي أو طائفي ، ويجب أن تكون ملتزمة بصفة الانتماء للسلطة الرابعة وأن لا تكون قواعد لإطلاق صواريخ الكاتيوشا .