"الشعب العراقي" وحيد، عاجز، ليس لديه من يمثله، ولا يستطيع تمثيل نفسه.
لكي نتعرف على أسباب هذا الإستنتاج،علينا تحديد معنى اصطلاحي "الشعب" و"العجز". ومن أجل ذلك ينبغي القول أن في العراق اليوم شعبين، كردي وعربي، لهما وضعان مختلفان على مستويات عديدة، منها "التمثيل السياسي". فللكرد أحزاب قديمة نسبيا، يمكن القول انها تمثل الشعب الكردي الذي تقوده اليوم، في حكومة الاقليم، أو في معارضتها.
ولكن الحال مختلفة مع الشعب العربي في العراق. وهذا الشعب هو موضوع هذا المقال. وهنا نقول أن المقصود بـ "الشعب العراقي" هو قسم من سكان البلد، وكل فرد من أفراد هذا القسم بلغ سن الرشد، رجلا كان أو إمرأة، يعتقد أن الحكومة خاصة، والطبقة السياسية عامة، لا تمثل مصالحه، ولا تعبر عن تطلعاته، وانما هي جماعات أنانية تعمل من أجل منافعها الخاصة والفئوية، وفي تعارض تام مع المصالح الوطنية العليا.
هل عدد هؤلاء الأفراد قليل أم كثير؟ يُفترض أن يكونوا العدد الأكبر من السكان، نظرا لأزمة "العملية السياسية" المتمثلة بعجزها عن تحقيق المصالحة الوطنية، وفقدانها القدرة على تقديم الخدمات، واستشراء الفساد، وانعدام الاستقرار. الساخطون لهذه الأسباب، من العرب والتركمان وغيرهم، على الحكومة والطبقة السياسية هم المقصودون إذن بمصطلح "الشعب"هنا.
هذا الشعب الساخط لا يجد بين جماعات وأحزاب "العملية السياسية" من يعبر عنه، ويعمل من أجل تحقيق مصالحه. هو اذن وحيد، ليس لديه من يمثله في ساحة السياسة، من حكومة وبرلمان. وهو ايضا عاجز لأنه لم يستطع صناعة قوة أو قوى سياسية أخرى تمثله.
ومشكلة التمثيل قد تكون أهون بوجود "دولة" تتمتع بمؤسسة قضائية قادرة على حمل مسؤولية تحقيق العدالة. لكن البلد مازال في مرحلة ما قبل الدولة، انه في طور تشكيل "سلطة" لم تكتمل، ويعد القضاء، اليوم، شأن الجيش والشرطة، جزءا من السلطة او الحكومة وليس طرفا مستقلا عنها. ما يعني أن خدمة العدالة متعثرة شأن بقية الخدمات. و"الفراغ" في تمثيل المواطنين يمتد من السياسة والقانون الى "المجتمع المدني": غياب قطاع خاص يساهم في اعالة الشعب، لأن المال والتشغيل، بما فيه تشغيل القطاع الخاص، كله بيد الحكومة المالكة للثروة ولسوق العمل.
بغياب القطاع الخاص تنعدم امكانية وجود وسائل اعلام حر، ونقابات حرة. فكل الموجود منها تابع بطريقة او اخرى للحكومة او لقوى العملية السياسية. وهكذا فإن الفراغ في تمثيل الشعب شامل: سياسي، قضائي، اقتصادي، إعلامي، نقابي.
انه موقف أو وضع يذكِّر، وإنْ بطريقة أسوأ، بالعراق في مرحلة التأسيس: حكومة "ديمقراطية" فوق و"فراغ" تحت. الديمقراطية حكومة بنية اجتماعية تسودها الطبقة الوسطى. وهذه الطبقة لم تكن موجودة ثم وجدت ونمت بدرجة غير كافية. "الحكومة" مشروع دولة متقدمة كان يشتغل فوق بنية اجتماعية متأخرة. هذا في العهد الملكي. أما في العهد الحالي فإن الحكومة والمجتمع حالة صيرورة فالتة مجهولة المصير.
في العهد الأول كان "وعي الشعب"، بمن فيه أغلبية المثقفين، متأخرا ومضادا لمشروع الدولة. وفي العهد الحالي ليس هناك مشروع دولة متقدم أو متأخر على أحد. الأفكار السائدة، مثل الطائفية والأصولية والعشائرية والإثنية، مضادة أصلا لفكرة الدولة. و"الشعب" قد يكون ساخطا على هذه الأفكار، ولكنه عاجز عن التقدم الى فكرة أو أفكار بديلة تستطيع تمثيله، ويستطيع السير تحت رايتها. وهذا هو "الضياع". والسؤال هو:هل التاريخ وحده يتحمل مسؤولية تبديد هذا الضياع أم ان إرادة الشعب يمكن أن تنهض بهذه المسؤولية؟ هل نجلس منتظرين إسعاف التاريخ أم نتحرك لصناعة التاريخ؟
في وصف حالتنا
[post-views]
نشر في: 16 ديسمبر, 2012: 08:00 م
جميع التعليقات 2
حامد راضي
لايختلف اثان على ان للشعب دور وهو التغيير عبر صناديق الاقتراع طبعا هذا في الدول المتقدمة ديمقراطياً، اما اليوم تتحمل الحكومة اياً كان شكلها بسبب السماح للتدخلات الخارجية والداخلية ، انا اتفق معك لكننا الى اين سائرون وكم نحتاج من الوقت اسئلة عديدة تحتاج ال
smh
ياصديقي هده الحاله هي نتيجه عندما تصبح الافكار اهم من الانسان (الدين في حاله العراق)