البلاد المعروفة باستقرار نظامها السياسي لا تخشى المفاجآت لانها تعتمد دستورا خاليا من الالغام والثغرات. باختصار انها دول مؤسسات لا تهزها الاحداث مهما كانت كبيرة.
شعوب دول المنطقة ومنها التي شهدت الربيع العربي، تنظر بارتباب الى مستقبلها لان التجربة الديمقراطية جديدة ، ومازال امر تحديد هوية نظامها السياسي موضع شد وجذب بين الاطراف المتباينة بالعقائد والافكار والتوجهات، والشعب العراقي بديمقراطية اليوم ربما يكون الوحيد الذي ينظر بقلق لمستقبله ، فدستوره بحاجة الى تعديل والخلاف السياسي يتصاعد وبرلمانه لم ينجز تشريعات جديدة والتصريحات عن اعتماد قرارات مجلس قيادة الثورة تؤكد انها سارية المفعول، والخطر يكمن في غياب الانسجام السياسي ووجود جماعات مسلحة ابتكرت شتى الوسائل لممارسة القتل وسط عجز الاجهزة الامنية عن توفير اوضاع مستقرة لاستخدامها اساليب توصف عادة بانها متخلفة في الحد من الارهاب واجتثاث جذروه .
صحفي فرنسي زار العراق نهاية العام 2009 وخرج في قصة صحفية نشرها بحقيقة تؤكد ان شعبا في بلد نفطي، يقصدنا نحن العراقيين، يعيش تحت طائلة هواجس الخوف من المستقبل، ويصر على استذكار الماضي البعيد، عقود ما قبل اعلان النظام الجمهوري، بعبارات رثاء لان تلك السنوات كانت تتصف بنوع من الاستقرار وبصراع سياسي لم يصل الى اعتماد التصفية الجسدية بين الخصوم . ويرى الصحفي في التشبث بالماضي نتيجة طبيعية ومظهرا لشكل الصراع لم تستطع المرحلة الجديدة بعد العام 2003 ان تؤسس قاعدة انطلاق حقيقية لبناء دولة بالمعنى الصحيح .
ما ذكره الصحفي الفرنسي يتطابق مع اراء معظم العراقيين في الحديث عن الطركاعة، وخصوصا من تظاهر منهم ندما على المشاركة في الانتخابات التشريعية، وادلى بصوته لصالح مرشحين اصبحوا تحت مظلات رؤساء كتلهم النيابية وليس فيهم، باستثناء عدد قليل جدا، اتخذ موقفا يعبر فيه عن حقيقة انه ممثل لشعبه. وهذه "الطركاعة " مستمرة بنجاح ، وزيارة واحدة الى مقر البرلمان تكشف صورتها البشعة عندما يتنافس الاعضاء على الوصول الى منصة الادلاء بتصريحات امام وسائل الاعلام لاعلان موقف سياسي محدد، ومن يدلي بتصريح اخر يتعلق بتلبية مطالب العراقيين يتهم بانه يسعى لتحقيق مكاسب انتخابية عبر "مزايدات رخيصة" .
"الطركاعة العراقية " اليوم وفي ظل الازمة الراهنة لا تكفي المؤتمرات واللقاءات واوراق الاصلاح والنيات الحسنة لتبديدها والغائها من قناعة شعب يرى ماضيه افضل من مستقبله ، وهذا الاحساس يتحمل مسؤوليته كل من تصدى للعمل السياسي واسهم في كتابة الدستور على الرغم من ثغراته، ومحاولات تصحيح المسار متوفرة بشرط تحقيق اتفاق واجماع على الخلاص من الطركاعة خدمة للمصالح الوطنية ، ومطيرجية ايام زمان كانوا متفقين على ابعاد الطير "المعكرك" من "الجوكة" اي سرب الطيور لان لا فائدة منه سوى مزاحمة الطيور الاخرى على التهام "اللكط" من الدخن والشعير والهرطمان، وبابعاد "المعكرك" يحقق اصحاب الطيور اهدافهم الستراتيجية . فمن يطرد طيور البرلمان "المعكركة"؟
طركاعة بالفرنسي
[post-views]
نشر في: 19 ديسمبر, 2012: 08:00 م