لقد كان السرياليون غريبي الأطوار لكن دالي كان الأغرب. و لوحاته عن الساعات المتذبذبة العقارب، و الأطرف المبالَغ بحجمها، و الأشكال المتشردة ــ نصف بشرية، و نصف صدرها سراويل ــ لم تكن تكشف إلا عن القليل من تخيله. فرسمه كما قال ذات مرة " مثل جبل من الجليد، لا يُظهر إلا عشر حجمه الحقيقي ". و تحت الجليد يندس السيد دالي الأكثر سرياليةً، و هو ما يكشف عن المزيد منه المعرض المقام في مركز بومبيدو في باريس في الفترة من 21 تشرين الأول حتى 25 آذار.
و كان سلفادور دالي، بتعبيره الاستعراضي، و عصاه، و شاربه المشمَّع المنتصب، يحمل معه أينما راح جواً مفعماً بالجدل. فنتاجه الفني يراوح بين المُقرف و الفاحش، بين الوحشي و المجنون كلياً. و لوحاته، التي تقع في منتصف الطريق بين الحكايات الخرافية و صور الرعب المخيف، مليئة على نحوٍ محكم باللون و الرمزية. و لوحة " تصميم الذاكرة "، 1931، ( المنشورة هنا )، مثال مبكر على ذلك. فانتباهه الدقيق للتفصيل و التشويش المدروس ينقلنا إلى عالم ما فوق الواقع المعزَّز، و هي طريقة كان يصنّفها بأنها " نقدية تظنّنية paranoiac ".
و يمكن القول إن لوحاته غير جميلة. و هي لا تُطلق انفعالاً عظيماً و قد تكون رديئة عند حلّها. لكن ما تُظهره حقاً قدرة تقنية نادرة. فتحت جنون العظمة هناك رجل يعرف كيف يستخدم فرشاته بدقة، جامعاً معاً دقة الأسلوب الفلامنكي الخبير و أسلوب الباروك المبهرج للوحة الأستاذ القديم. و تبيّن لوحة " تكوين رقيق بفاصوليا مغلية "، 1936، الرؤية المتوحشة لدالي إلى بلده خلال الحرب الأهلية الأسبانية. فهناك شكلٌ بدين متحلل يمزق نفسه إرباً إرباً قبالة سماءٍ رفائيلية الشكل. و قد قال " أنا رجل النهضة، أود أن أوقّع على زوج من البناطيل إن كلَّفني أحد بذلك ".
و قد أنتج بالفعل صفاً من الحلي التافهة الخادعة و كتلة من الطبعات الاحتيالية ــ و وقّع على آلاف من قطع الورق الفارغة بترتيب ملون من التواقيع و هو الآن يُعد واحداً من أكثر فناني العالم تلفيقاً. و يمكن أن يكون قد أحب الخداع الشاذ، لكن خلف التبجح هناك جوهر، و أستاذ حديث مدّ و أعاد تشكيل قصة الفن.
عن / INTELLIGENT LIFE
دالي .. جبل الجليد
نشر في: 21 ديسمبر, 2012: 08:00 م