لم يرق لبعض الأصدقاء والقراء إكثاري من وصف العراق بأنه غير محظوظ. حجتهم في ذلك أن الحديث عن الحظ يلغي دور العقل ولا وجود له في عالم السياسة وزمن العولمة، وما الحديث عنه إلا ضرب من ضروب قراءة الكف والطالع والفناجين. وحجتي أني مثل اي إنسان آخر حين يعجز عقله عن تفسير ظاهرة ما يظل يلتفت يسارا ويمينا عن سبب يقنع به نفسه حتى وان لم يشاركه الآخرون في قناعته.
من أمس إلى اليوم اقلب حال العراق وأحوال أهله المزرية رغم غناه وخيراته وعمق حضارته وأسأل: ليش؟
أتعبني، مثلما حيرني، أن أجد نساء العراق، من دون بلدان الدنيا الغنية بالنفط، يجبن الشوارع بحثا عن "تنكة" نفط. سألت نفسي: هل هناك كويتية أو سعودية أو قطرية أو إماراتية تركت أطفالها لتتوسل بهذا أو ذاك بحثا عن قطرة نفط أو قنينة غاز مثل المرأة العراقية؟ ليش؟
بلد مليء بموارد الخير وميزانيته ذات المئة مليار دولار سنويا ً حسده عليها الغني قبل الفقير، وآلاف من أطفاله، بنيناً وبنات، يشحذون في الشوارع ومنهم من يقلب اكوام القمامة بحثا عن كسرة خبز، وكم من العوائل المنكوبة بلا مأوى او تسكن في بيوت من التنك. ليش؟
بلد لو حولنا ميزانيته الى خردة دولارات ورصفناها على الأرض، لكفت لتبليط شوارعه بالفلوس من اقصى شماله الى جنوبه. ومع هذا لا كهرباء ولا أمان ولا مدارس ولا مستشفيات بيها خير. ليش؟
آخر بيان صحفي صدر عن "المركز العالمي للدراسات التنموية"، الذي مقره لندن، كشف عن وجود 8 ملايين فقير و7 ملايين أمي لا يعرفون القراءة والكتابة بالعراق! ليش؟
ويقول المركز انه "في الوقت الذي تتبرع فيه الحكومة العراقية إلى دول أخرى بمبالغ تصل إلى أكثر من 30 مليون دولار خلال عام واحد من موازنة العراق الاتحادية فإن قرابة ثمانية ملايين عراقي يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم". ليش؟
ويكشف البيان عن ان "الحكومة العراقية التي حاولت وبشدة إصدار قانون يتيح لها اقتراض أكثر من 20 مليار دولار لدعم البنى التحتية تشتري اليوم أسلحة وطائرات بأكثر من 12 مليار دولار. وفي حين تقترض ذات الحكومة مليارات الدولارات نجدها تخصص 20 مليار دولار تصنف تحت بند خدمات ومصروفات أخرى في موازنة العام القادم". ليش؟
وينتقد المركز باستغراب نية الحكومة العراقية اقتراض مبلغ 900 مليون دولار من البنك الدولي، في ظل الارتفاع المتواصل لإيرادات النفط العراقي خلال الفترة الأخيرة! ليش؟
من جانبي لم أجد جوابا غير سوء حظ العراق، الذي مثلما ابتلاه بصدام على مدى ثلاثة عقود، عاد فابتلاه بصنف آخر من الحكام الجدد، وجوههم نكد وأصواتهم كمد ورائحة الفساد وجيفة المحاصصة والجهل تقطر من وجوههم وأفواههم بما هو أنتن من رائحة البيض الفاسد.
حـظ العـراق
[post-views]
نشر في: 21 ديسمبر, 2012: 08:00 م