يخطىء ملوك وشيوخ العرب اذا لم يأخذوا أسباب "الربيع العربي" في الاعتبار. والأسباب هي الفساد والاستبداد. وتُجْرِم شعوب العرب اذا ثارت على ملوكها وشيوخها وأطاحت بهم. والجريمة هي الكلف المأساوية والضياع.
وفي السياسة قد يكون الخطأ أكبر من الجريمة.
ولعل شعوب الدول العربية الملكية قد تعلمت الدرس من شعوب الدول العربية والإسلامية التي ثارت على انظمتها الملكية واقامت جمهوريات. شأن مصر والعراق واليمن وليبيا وإيران. أم الثورات العربية كانت مصر. وها هي تعجز عن ارساء الاستقرار، وتفقد البوصلة، وتتدحرج في هاوية، بعد 60 عاما من اطاحتها بالملكية.
الثورات قد تأتي نتيجة أخطاء الملوك. إنها لا تنشب من دون أسباب. لا شيء ينتج من لا شيء. لا نختلف. ولكن الإشكالية هي ان الثورات تبدأ بالمثالية السامية، ثم سرعان ما تنحدر الى الفظاظة الدانية. ولا يوجد استثناء. الثورة الفرنسية هي "النموذج الكلاسيكي" لهذه السيرة. في فجرها بلغ تساميها عنان السماء. وعند غروبها أسفَّت الى الحضيض. وأمثلة ذلك الإسفاف كثيرة جدا، خاصة في "عهد الإرهاب" الذي قاده روبسبير. ومن بين تلك الأمثلة شديدة الفظاظة والدناءة والغرابة، ان التهم المعدة ضد الملكة المخلوعة الموقوفة، ماري انطوانيت، كانت كافية وزيادة لقطع رأسها. لكن أحد الثوار الملعونين فكر بالمزيد. فاخترع قصة علاقة جنسية بينها وبين ابنها الذي لم يكن قد بلغ التاسعة، وبينه وبين عمته اليزابيث أيضا.
وحين سألتها المحكمة عن هذه التهمة الشنيعة لم تجب. ولما تكرر السؤال عنها نظرت "بازدراء لا يوصف"، وقالت:" اذا كنت لم أجب فذلك لأن الطبيعة تأبى أن تجيب على تهمة مثل هذه توجه الى أم. إنني أتوجه بذلك الى جميع الأمهات الحاضرات هنا". ولقد شعر الجميع، حسب تعبير ستيفان زفايج، "بأن هذه الشهادة أكسبت ماري انطوانيت نصرا معنويا في اشد ساعات الحرج، لأن ما كان مفروضا ان يحط من قدرها قد رفعها".
في مكان وزمان آخرين من الكوكب، يروي السيد طالب الرفاعي، أحد مؤسسي "حزب الدعوة" في العراق، أنه بعد تعيينه وكيلا لمرجعية النجف في القاهرة، وبعد أن أصبح "إمام الشيعة في مصر"، اضطر للاستجابة يوما لطلب الحكومة المصرية الصلاة على جنازة شاه ايران في القاهرة عام 1980. فصار لذلك منبوذا من شيعة ايران والعالم. ولكن في عام 2006، وكان في زيارة الى مدينة قم، قال له صحفي ايراني:" ان الايرانيين لو يعلمون ان الذي صلى على الشاه موجود الان في قم لمزقوا ثيابه وأخذوها قطعا للتبرك به، بعد ما حصل لهم في الثورة الايرانية".
ولعل كتاب رشيد الخيون الممتع، "أمالي السيد طالب الرفاعي"، الذي وردت فيه هذه الشهادة، يمثل، بطريقة ما، وثيقة جديدة عن نكبة شعوب المنطقة بالثورات ضد الملكيات.
تتمتع الملكيات بقدرة خاصة على اكتساب "الشرعية"، وعلى أن تكون عامل وحدة وسبب استقرار وبوصلة مستقبل. وينبغي على الأنظمة الملكية وشعوبها معا استثمار هذه القدرة والبناء عليها وتطويرها. فالثورة مغامرة خطيرة مجهولة العواقب. و"الشرعية" اذا ما سقطت في يوم تعذرت نهضتها في عقود. فرنسا لم تعرف الاستقرار لأكثر من قرن بعد ثورة 1789. ولازالت مرارة العراق بعد ثورة 1958 تزيد ولا تنقص. فنحن من وقتها الى يومك ننزف الأرواح، ونستنزف الثروات، ونهدم ولا نبني، من دون أن نعرف لماذا، ولا الى أين نحن ماضون.
جميع التعليقات 1
فاروق الشمري
ليت الذي حدث في صبيحة الرابع عشر من تموز لم يحدث... ولو ان من يسمون بالقوى الوطنية لوتعاملت مع النظام الملكي باسلوب اخر كان اجدى لها... كما لا يفوتني ان اذكر لو ان نوري السعيد رحمه الله قبل بأنتخابات عام 1954..لكان العراق ملكيا حتى الان