في الليالي الثلاث التي قضيتها بالمنطقة الخضراء أواسط العام 2007، بناء على دعوة من رئيس مجلس الوزراء، أقمت خلالها في دار كانت مقرا موقتا للرئيس جلال طالباني. صادف أنها، في أيام وصولي قد تحولت توا إلى دار للضيافة تابعة لمجلس الوزراء، كما قيل لي.
رغم فخامة الدار من حيث البناء إلا أن أثاثها كان بسيطا ولا شيء يميزه غير مكتبة خاصة لمام جلال. عند تلك المكتبة قضيت معظم أوقاتي، مستمتعا ومنتفعا، بما تحتويه من كتب بعضها نادر. واضح أنها لم تكن مكتبته الرئيسية بل أخرى موقتة، اختار منها ما يحتاجه في أيام تواجده بتلك الدار.
أهم ما جلب انتباهي فيها ليس تنوع كتبها ما بين السياسة والتاريخ والأدب والدين والفلسفة والقانون والفن، إنما تلك الهوامش والملاحظات والخطوط التي تركها الرئيس على صفحات الكتب. واضح من استهلاك الكتب أنها ليست "للكشخة" أو للديكور كما يفعل البعض، خاصة السياسيين وأصحاب المناصب "العالية" والتجار من دعاة الثقافة، الذين يستعملون الكتب الفخمة وذات الألوان الزاهية ليوهموا الناس بأنهم مثقفون!
ثلاث ليال في الخضراء خرجت منها بحصيلة كبيرة. هموم ويأس وخوف على العراق من عقول أناس قدر لهذا البلد أن يتحكموا بمصيره. حصيلة تكفيني أن أكتب عنها عشرات الأعمدة أو أرصفها بكتاب من نوع خاص. منعني من ذلك شيء أشبه بالترفع لإدراكي أن المجالس أمانات وللبيوت أسرار قد لا يصح إفشاؤها. في النهاية، لا بد أن تحكمنا الأصول مهما كبر بنا الألم.
شيء واحد أبوح به، لا يخرج عن دائرة الالتزام، هو أن الرئيس طالباني قارئ نوعي ومثابر. ولأنه قارئ متميز فقد تميز عن غيره من السياسيين. قد يرد علي راد بأنني بحاجة إلى أن أسند رأيي هذا بدليل. وإليكم دليلي:
في دراسة نشرت في 14/2/2010 على موقع "ديلي بيست" الأميركي، المتخصص بتحليل الأخبار واستطلاعات الرأي، حول مدى اهتمام رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية بقراءة الكتب واقتنائها، تبين أن هناك علاقة وطيدة بين الرئيس الناجح والقراءة. وجاء في الدراسة انه" كلما كان الرئيس من عشاق القراءة، كان سجله الرئاسي ونظرته وقيادته للبلد ذات بعد أكبر ونظرة أوسع وتوصف فترة حكمه بالنجاح". زبدة البحث أن أغلب الرؤساء الناجحين كانوا يتصفون بحب القراءة.
وهناك بحوث تؤكد على أن من أهم أسباب وصول الرئيس أوباما لكرسي الرئاسة يعود إلى انه قارئ ممتاز. والاهم من ذلك، كشفت دراسات أخرى عن أن عادات القراءة عند الناخب الأمريكي تؤثر كثيرا في طريقة اختياره لمرشح الرئاسة.
إنك ما تقرأ إذن، قبل أن تكون ما تقول أو تفعل.