إنها أشياء توجع القلب، أولها ما اختبرته على صفحتي الشخصية في فيسبوك، ويتعلق بتشويه تمثال ملك العراق ابن شريف مكة. وثانيها ما سمعته من نواب العراقية عن طريقة السلطان في الرد على مظاهراتهم.
الأصدقاء التقطوا صورة لتمثال الملك فيصل قرب وزارة الثقافة وقرب شبكة الإعلام العراقي في الصالحية وقرب مباني تعود لوزارة العدل، وقرب محافظة بغداد. أحدهم جاء وعلق راية حسينية على التمثال واختار رأس فيصل ليلف حوله حبلا ويقوم بتثبيت الراية الحسينية بحيث تحجب ملامح الوجه وتهين الملك.. وهو ملك هاشمي.
وضعت الصورة وكتبت تحتها، ان الملك سليل الاسرة العلوية الحسينية، ويتحدث علي الوردي كيف كان فيصل يحرص على حضور عزاء عاشور الذي يقيمه وجهاء الكاظمية مصطحبا العلم العراقي الفتي ايام الانتداب الاولى. قلت ايضا ان تشويه تمثال فيصل لا يمت لأخلاق الثورة الحسينية بصلة، وهو يسيء لأسرة الحسين. وتعجبت ان مسؤولي الدوائر الحكومية المذكورة لم يحركوا ساكنا إزاء هذا. وفي الجريدة قام الزملاء بأخذ تعليق من التيار الصدري جاء لائقا متزنا: الحسين لا يحتاج إلى هذا، وتشويه رمز وطني كبير ليس من أخلاق كربلاء! وهل هناك أكثر عقلانية من هذا التعليق؟
لكن تعالوا على صفحتي في فيسبوك لتروا فضيحتنا كأمة. فمع أن هناك معلقين سنة وشيعة كتبوا اشياء مهمة وحضارية، تحفظ هيبة الحسين وهيبة اسرته والملك، الا ان معلقين (سنة وشيعة) راحوا يتشاتمون بأسوأ الالفاظ. وبدل ان نفكر كيف يمكن ان نعبر عن هويتنا دون الاعتداء على رمز وطني، او كيف نتقيد بأخلاق الفرسان التي عرف بها الهاشميون وآل البيت، فإن كثيرا من العراقيين على فيسبوك راحوا يشنون على بعضهم "حربا اهلية" دامية. ان عجزنا عن الحوار اللائق يفضي الى نتيجة موحشة ومعذبة، هي اننا على استعداد لقتل بعضنا، رمزيا على فيسبوك، وماديا في اي نزاع. ولذلك فإن "الحروب المقدسة" تنخر هذا الشرق الأوسط بطريقة مهولة، وتجعلني اشعر أن نهاية العالم قد حلت مرات ومرات، دون ان نتعلم كيف نعيش مع بعض.
ولأن عقولنا لا تعمل إلا بلغة الحرب على فيسبوك في الغالب، فإن السلطان يدير البلاد بطريقة لا تحمد عواقبها. لم يكفه انه فشل في تحسين حياة العراقيين، فراح يشعل البلاد من طوزخورماتو الى مكتب رافع العيساوي، ويطلق تهديدات لشركائه الشيعة انفسهم بين هذا وذاك، كي يتحول الى بطل ينتخبه الناس! ولأن لغة الاحتراب وانعدام لياقات التعايش "تعشعش" في قلب بغداد وقرب تمثال الملك، فإن آخر ما سمعه زعيم معروف من العراقية بشأن مظاهرات الرمادي وجاء على لسان السلطان، هو: اما ان نتفاهم، او نتقاسم! وفهمها سياسي العراقي (كما فهمها الصدر وبارزاني) كالتالي: اما ان تخضعوا لإرادتي وتكفوا عن نقد حكومتي، او نذهب لخيار التقسيم!
واذا لم يكن المالكي قد قالها بهذه الكلمات، فإنه قالها بطريقته في إدارة أزمة المتنازع عليها، وازمات زعماء العراقية. وهذا امر يوجع كل القلوب. وكنت اتحدث مع مستشار شيعي رفيع قبل قليل وأسأله: الى اين تأخذون البلاد. فوجدته مثل كل متظاهر في مدينة الرمادي، يشعر بحزن عميق لان طريقة المالكي في ادارة البلاد قد "فلت عيارها". الرجل لم يخف قلقه وقلق قادة التحالف الوطني الذين لم يعد المالكي يستمع الى اي نصيحة منهم. لكن المستشار يراهن على "اتصالات مكثفة" يجريها عقلاء من الشيعة والسنة والاكراد، لاحتواء المسار الخطير. ومع انه يراهن، فإنه يخشى ان تكون هذه "الاتصالات المكثفة" بطيئة، وان تكون ازمات المالكي اسرع منها.
ان المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق القيادات الشيعية المسؤولة. فعليهم اولا ان يجعلوا المالكي يفهم، ان احتجاجات اهل الرمادي تشبه احتجاجات اهل البصرة وكربلاء، على سوء ادارته للبلاد. وأن عليه ان لا يلجأ لشعارات "حماية الطائفة" لان كل العراق يحتج. وأن اخطر المحتجين سيكونون ابناء المدن الشيعية العريقة.
وعلى القيادات الشيعية ايضا ان تقوم بإفهام جمهورها، ان المالكي لا يمكن ان يكون لوحده على حق، يواجه شريحة من "المخطئين والخونة" الذين يحتاجون التأديب. ولعمري فكيف تخيل السلطان انه وحده نزيه ومخلص ومحق، ويواجه "خيانة وخطيئة" من الصدر والحكيم والجلبي والعيساوي والنجيفي وبارزاني، ثم الشبيبي والعكيلي...الخ؟
ان "ميزان" ائتلاف دولة القانون الجائر والمخاتل، يوجع القلب ويريد ان يقنعنا بأن رجلا واحدا على حق، يقف امام زعامات كلها مخطئة وليس لديها اعتراض وجيه ولا احتجاج صحيح. ان ميزانا كهذا هو الذي يمكن ان يستعين بـ"العقول المفخخة" التي اراها على فيسبوك، ويحرق "الرايخ العراقي" ألف مرة.
وجع لفيصل وآخر للرمادي
[post-views]
نشر في: 23 ديسمبر, 2012: 08:00 م