من "حسنات" المالكي انه لا يبخل علينا، بين حين وآخر، بدليل يؤكد صحة اتهامه بالسعي لعودة ايام الدكتاتورية والاستبداد. ففي كتاب "سري وعاجل"، صادر عن مجلس الوزراء بتأريخ 17/12/2012، تحت عنوان "حصانة السادة النواب"، موجه الى رئيس مجلس النواب، يهدد رئيس الوزراء بالقاء القبض على أي نائب ينتقد الحكومة عبر اجهزة الإعلام.
جاء في الكتاب: "لا شك ان ما يعرض عبر شاشات التلفزيون لتصريحات ولقاءات وندوات لأعضاء مجلس النواب والتي تتناول بالتحريض والقذف والتشهير بحق الرموز السياسية والمسؤولين في الدولة أمور تخل بالآداب العامة".
انه يعتبر الذي ينتقد مسؤولا حكوميا قد أخل بالآداب العامة! .
ثم اني لا اعرف ما المقصود بـ "الرموز السياسية"؟ انا اعرف مثلا ان هناك رموزا دينية، كالإمام الحسين، اما المسؤول الحكومي فهو شخصية عامة يحق للناس انتقاده لا بل حتى شتمه أحيانا او ضربه بالطماطة والبيض الفاسد.
ويرى المالكي ان "تصريحات بعض أعضاء مجلس النواب على شاشات التلفزيون تتضمن احيانا جرائم تضعهم تحت طائلة المسؤولية والعقاب مثل جرائم (القذف والتشهير) بحق المسؤولين في الدولة". زين والحصانة وين صارت يا حاج؟ "العلة في منح الحصانة هو تنضيج (على وزن طويريج) الآراء ضمن اطار قرارات يتخذها المجلس بمنتهى الصراحة وبعيدة عن المؤثرات الخارجية. أما اذا كانت هذه (الآراء) خارج المجلس وخارج الجو الجماعي والمسؤولية الجماعية لأعضاء مجلس النواب فإنها غير مغطاة بالحصانة".
المالكي يريد القاء القبض على اي نائب يقول رأيا لوسائل الإعلام خارج اجتماعات مجلس النواب! ولا ادري كيف يمكن للنائب ان يجد كامرة وميكروفونا ليعبر عن رأيه وهو داخل الاجتماع؟ فان كان كذلك، أليس مجلس الوزراء مجلسا ايضا؟ فكيف اذن يبيح المالكي لنفسه ان يصرح لأجهزة الاعلام بـ(آرائه) خارج "الجو الجماعي"؟ حري به ان يسكت هو أولا ولا يفتح فمه بانتقاد الآخرين امام الشاشات.
الرسالة تكشف عن ان المالكي وطاقمه لا يميزون بين مصطلح "دورة الانعقاد" لمجلس النواب، والجلسة البرلمانية، تماما مثل أولئك الذين لم يميزوا بين الناقة والبعير. يقول الكتاب: "لهذا السبب جاء نص المادة (63) من الدستور صريحا في اقتصار حصانة عضو مجلس النواب (على ما يدلي به من آراء أثناء دورة الانعقاد). أما بشأن اللقاءات والندوات التي تعرض في وسائل الإعلام المختلفة لبعض أعضاء مجلس النواب .. فانها غير مغطاة بالحصانة البرلمانية".
الصحيح أن دورة الانعقاد هي فترة زمنية من فصلين امدها ثمانية اشهر بحسب المادة 57 من الدستور. والمادة 22 أولا من النظام الداخلي للمجلس تنص على ان "لمجلس النواب دورة انعقاد سنوية بفصلين تشريعيين أمدهما ثمانية أشهر يبدأ أولهما في 1 اذار وينتهي في 30 حزيران من كل سنة، ويبدأ ثانيهما في 1 ايلول وينتهي في 31 كانون الأول". وهذا يعني ان دورة الانعقاد تبدأ من 1 اذار وتنتهي في 31 كانون اول. والنائب محصن خلال هذه المدة سواء كان داخل جلسة او في بيته او في الشارع. متى تميزون بين الناقة والبعير يا دولة االقانون؟
رسالة المالكي هذه صفحة اخرى في سلسلة إعلاناته الصريحة بعودة الدكتاتورية. ليست دكتاتورية وحسب، بل شمولية وفاشية أيضا. شمولية لانها تدعي معرفة مشاعر المواطن، بدقة اذ يقول "ان ما يقوم به بعض النواب يثير كراهية وسخط المواطن على النظام البرلماني". لاحظوا انه لا يقول "مواطن" أو "بعض المواطنين" بل " المواطن" بالألف واللام. اي كل مواطن.
وفاشية لأنه يرى ان النائب الذي ينتقده يجب ان يقبض عليه لانه أتى بجريمة تعد "في صنف جرائم (التحريض) على ارتكاب جرائم معينة". وغطوا روسكم يا كرعان!