إن التشخيص الدقيق لطبيعة ديون العراق الخارجية أمر ضروري وحيوي لمعرفة فيما اذا كانت هذه المديونية الضخمة تتطابق مع معايير الإقراض الدولي ومع متطلبات العراق الى التنمية الاقتصادية والاجتماعية ام ان هذه القروض ظلت طريقها واستخدمها النظام المقبور في مشاريع عدوانية ولأهداف غير انسانية، وبالتالي تنطبق عليها خصائص الديون الكريهة التي ليس لها استحقاق في القانون الدولي ويصبح العراق غير ملزم بسدادها باعتبارها ديونا كريهة بذمة النظام السابق. فالبلدان الخليجية والبلدان الامبريالية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية قد دفعت الطاغية لشن حربه المجنونة وإمداده بالمال والسلاح لتوريطه في حرب قذرة لخدمة المصالح الغربية ولإضعاف العراق وتحويله الى سوق استهلاكية للاسلحة الغربية.
ان ديون العراق الخارجية التي ترتبت على النظام البائد تحمل جميع خصائص الديون الكريهة او الديون الفاسدة التي ليس لها استحقاق في القانون الدولي لأسباب كثيرة منها:
1- من الثابت ان النظام البائد استخدم القروض التي استدانها بشروط صعبة لتمويل حربه مع ايران التي انتهت باحتلال الكويت في عام 1990 ، كما استخدمها في تطوير اجهزته البوليسية وتضخيم ترسانته العسكرية ، ولم يستثمرها في مشروعات التنمية الصناعية والزراعية، فقد انفق النظام على الحرب العراقية الايرانية اكثر من 94 مليار دولار وخسائر في عائدات النفط 55,5 مليار دولار وخسارة في الناتج المحلي 26,2 مليار دولار، و تراجع الانتاج النفطي من 3,600 مليون برميل في اليوم في عام 1976 الى 140 ألف برميل عام 1980 , و بلوغ النفقات العسكرية الى العائدات النفطية 146,6% في عام 1983.
2- ان النظام البائد في الموقف الدولي هو نظام همجي واستبدادي من طراز الدكتاتوريات الفاشية ، وقد اغرق العراق بمديونية ضخمة لتحقيق اهدافه الخاصة التي تتعارض مع اهداف و مصالح الشعب ،وبالتالي فأن كل ما يترتب عليه من التزامات فان الشعب العراقي غير معني بها.
3- ان الديون التي تطالب بها البلدان الخليجية ليس لها أي توثيق رسمي كديون مستندية وانما قدمت للنظام السابق كمنح ومساعدات مالية في اطار التضامن العربي لتدعيم موقفه العسكري وتأمين حماية حدودها من التهديد الخارجي ، وبالتالي فهي ليست ديوناً ولم تمنح للنظام وفقا لشروط الدين الخارجي المتعارف عليها دوليا .
4- ان الدول الاجنبية والخليجية التي قدمت القروض السخية للنظام البائد تعرف جيدا طبيعة النظام العدوانية لكونه نظاماً شمولياً غير منتخب ويمارس كل اشكال القمع على شعبه ، وبالتالي فان هذه القروض لم ينتفع منها الشعب العراقي وانما تحمل تبعاتها كضرائب وفقر وارتفاع اسعار وجوع وبطالة وتدهور في الخدمات وما شابه ذلك.
5- أسهمت القروض الخارجية في تشجيع النظام الدموي وتماديه على مواصلة حربه على شعبه وعدوانه على البلدان المجاورة و تحديه للقرارات الدولية. 6- ان الدول الغربية والخليجية ورَّطت النظام البائد بمديونية بغيضة من دون أي اعتبار لقدرته على الوفاء بها ومن دون اية اعتبارات لأهداف النظام الحقيقية المتوخاة من القروض بهدف استخدام الديون ذريعة للتدخل في شؤون العراق الداخلية . ويتضح من ذلك ان القروض التي قدمتها البلدان الراسمالية الغربية والخليجية قد استغلها النظام لأهداف غير انسانية ومضرة بمصالح الشعب وبذلك تصبح هذه القروض ديونا كريهة (odious debt) وغير مشروعة من الناحية القانونية والاخلاقية في الفقه الدولي ، ويصبح من حق الحكومة العراقية المنتخبة ان تتنكر لهذة الديون وترفض سدادها لان هذه الديون قد تم تقديمها لدعم نظام استبدادي اضطهد شعبه واستخدم القروض لشن الحروب وتعزيز دكتاتوريته الدموية، وان هذا التوجه ينسجم مع القانون الدولي ومبادي الامم المتحدة، فالامم المتحدة تؤكد (ان الدين الكريه لا يتطلب الألغاء او اعفاء البلد المدين لأنه دين باطل ويُعــد ديناً بذمة النظام السابق ).
وبالنسبة الى القانون الدولي يصف الدَّين الكريه بأنه ( اذا عمدت سلطة مستبدة الى الاستدانة ليس لحاجات الدولة ومصالحها وانما لتقوية نظامها الاستبدادي وقمع السكان الذين يقاتلونها يكون الدَّين كريهاً) وهذا ينطبق تماما على حالة العراق .
فالنظام الصدامي في الموقف الدولي نظام ديكتاتوري ودموي واستبدادي لم ينتخبه الشعب، وانطلاقا من هذا التوصيف الذي ينسجم مع التوصيف الدولي فان المديونية الخارجية للعراق تعــد مديونية ملغاة ويجب على الدول الدائنة اسقاط ديونها المترتبة على العراق بسقوط النظام، فالديون الكريهة ليس لها استحقاق طالما تقوم على اهداف غير انسانية وعلى أهداف غير مشروعة .
وبناءً على هذه الحقائق التي يقرُّها القانون الدولي ومبادىء الامم المتحدة تستطيع الحكومة العراقية المطالبة بشطب الديون الخارجية المترتبة على النظام السابق واعتبارها ديونا ملغاة ورفض تعويضات الحرب التي أقرتها لجنة العقوبات الدولية ومطالبة الجهات الدولية الدائنة التي موَّلت النظام الدموي بالقروض والسلاح بدفع تعويضات مالية عن الخسائر المادية والبشرية التي لحقت بالعراق.
وعليه فان العراق يملك جميع المبررات القانونية والاخلاقية التي تؤكد عدم شرعية ديون الانظمة القمعية، ويمكن الاستفادة من تجارب الدول التي اعلنت تنكرها لديونها الخارجية ورفض سدادها ومن هذه الدول:
1- رفض الاتحاد السوفييتي الوفاء بديونه الخارجية القائمة على الحكومة القيصرية قبل ثورة اكتوبر عام 1917 واعتبر هذه الديون مساعدة من البرجوازية الدولية للحكومة البرجوازية في روسيا القيصرية واعلنت الحكومة السوفييتية رفض سداد حميع الديون الخارجية المترتبة على حكومة القيصر المنهارة .
2- رفضت الولايات المتحدة الامريكية الديون الخارجية المترتبة عليها لالمانيا وبريطانيا بذريعة ان هذه القروض قُدَِّمت لتمويل الحرب الاهلية في امريكا وساهمت في اطالة أمـــد الحرب .
3- اعلنت كوبا الثورية رفضها سداد ديونها الخارجية التي استدانتها اسبانيا باسم كوبا عام 1898 .
4- أقدمت دولة جنوب افريقيا على اعلان رفض سداد ديونها المترتبة على النظام العنصري.
وانطلاقا من هذه الرؤية نرى ان الدفاع عن المصالح الوطنية والاستقلال واستئناف مسيرة التنمية الاقتصادية واعادة البناء والإعمار تتطلب من الحكومة العراقية المنتخبة رفض سداد الديون والتعويضات المترتبة على النظام البائد واعتبارها معونة مالية مقدمة من الدائنين الدوليين لحليفهم الستراتيجي صدام حسين الذي قدَّم لهم خدمات جليلة لمصالحهم الاقليمية والدولية في المنطقة وان تطالب الدول الاجنبية والخليجية التي قدمت القروض والدعم المالي والعسكري للنظام بدفع تعويضات مالية للعراق عما لحق بـه من دمــار.
والبلدان الخليجية التي قدمت الاموال لدعم للنظام السابق في حربه مع ايران يجب أن تدرك جيدا أنها قدمت تلك الاموال كمنح وهبات غير قابلة للسداد لانها ثمن لمكافآت حليفها الستراتيجي الذي يُقاتل بالنيابة عنها لحماية حدودها ، ولهذا يتوجب عليها اعلان شطب هذه الديون من دون قيد او شرط والكف عن المطالبة بسدادها , ويجب ان تدرك هذه البلدان التي وقعت في خداع النظام , انها قدمت الدعم المالي والسياسي لإنقاذ النظام ولم تقدمه لمساعدة الشعب العراقي المتضرر من النظام،
وعليه فان مجرد مطالبة الشعب العراقي بتسديد مثل هذه الديون التي تحمـَّل تبعاتها الكارثية هو موقف غير أخلاقي.
(وجهة نظر اقتصادية) ..الديون الخارجية وحق العراق في التنكر لها
نشر في: 29 ديسمبر, 2012: 08:00 م
جميع التعليقات 2
ابراهيم من الجزائر
من فظلك اكتب مقالا عن نظام المالكي و عن فساده و اخلاقه و و و ... الحقيقة تقول عندما يموت الثور تكثر السكاكين.
ابو علي
ابراهيم.. الموضوع حول الدين الخارجي ومقارنات مع الدول التي رفضت تسديد الديون، ما الربط مع نظام المالكي او الثور الذي كثرت سكاكينه؟ هل بسبب حقيقة ان النظام السابق استخدم خيرات العراق من اجل شن الحروب على الدول المجاورة؟ اتق الله يا اخ ابراهيم