اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > البغداديون يتخذون حاويات النفايات قوارب للنجاة من الطوفان

البغداديون يتخذون حاويات النفايات قوارب للنجاة من الطوفان

نشر في: 29 ديسمبر, 2012: 08:00 م

المطر سرٌ من أسرار هذه الحياة، كيف لي أن أكرهه! وهو ما جعلني استقل جرارا زراعيا مع العديد من الزملاء للوصول إلى منازلنا بعد أن غطت شوارع العاصمة وما يجاورها من المدن بمياه الأمطار التي أصبحت نقمة على المسؤولين ووبالاً على العراقيين. سيارتنا بعد أن دخل الماء الى مقاعدها  توقف محركها عن الدوران، وبدأت رويدا رويدا تغوص في مياه الأمطار وننتظر من ينتشلنا ويخرجنا من المأزق الذي وضعتنا مجالسنا البلدية وأمانة بغداد فيه، وإذا بصاحب جرار زراعي يأتي لإنقاذنا، لحظتها تخيلنا بطل فيلم "زورو" المنقذ!
قصص أبطالها الغارقون  
مئات القصص والأحاديث عاشها سكان العاصمة الذين وجودوا أنفسهم يغرقون في بحر الفساد الحكومي الذي كشفه ماء المطر وسط سجالاتهم ومهاتراتهم لتغطية سرقاتهم لأموال الشعب المسكين المبتلى بهم، والذي بدأ يغني (إننا نغرق)، وكل ما جناه من أمانة بغداد هو حاويات النفايات المرمية في الطرقات المليئة بالقاذورات لتكون "قارب نجاة" للوصول إلى بر الأمان، لكنهم وجدوا منازلهم أيضاً قابعة في بحيرة بغداد ليتذكروا فيلم "تايتنك" وهم يشاهدون سياراتهم وأثاث منازلهم تسير في الماء إلى المجهول، باحثة عن فرصة أخرى للعيش بسلام وأمان. وكما يقول المثل "شر البلية ما يضحك". وقد استمر هطول المطر  لساعات طويلة لتدخل بغداد في طوفان من المياه، أغرق كل شيء.
وعلى مقولة القائل "راح وايست منه غرك بالماي" غرقت بغداد ويئسنا منها بعد عطلة منحتها الحكومة للموظفين لكي لا يخرجوا، ويشدوا من عزمهم لتنظيف منازلهم وإخراج الماء منها ونشر ملابسهم وأثاث بيوتهم على السطوح لتجف من ماء المطر! بغداد تملأها المياه لتصبح كمدينة البندقية الايطالية أيمكن أن تكون هذه هي مفاجئة رأس السنة التي حضرتها الحكومة للشعب أم يحسبوننا كائنات برمائية تجيد التنفس فوق وتحت سطح الماء! كما يقول المواطن ماجد جمعة.
محكمة العدل الدولية
وجدنا صعوبة كبيرة في التجوال في شوارع العاصمة الغارقة لليوم الثالث على التوالي، مشاهد تجعلنا نبكي ونضحك على حال الجميع، فكيف يمكن أن ترى صاحب سيارة يجلس فوق سطحها بانتظار من يخرجه من نفق شارع المشاتل الواقع في منطقة الأعظمية، وعندما لم يجد مخرجا أو منقذا خلع ملابسه وبدأ يسبح بعد أن رمى له أصحاب المنازل القريبة حبلاً لتسحبه على  إلى بر الأمان، فلا يمكن ان يرى الرصيف المقرنص الذي اختفى بين مطرة وأخرى، وأصبح ركاماً محطماً، هذا الرجل يبلغ من العمر العقد الثلاثين ولا يملك غير سيارته الحمل القابعة لمدة يومين في النفق وهو يجلس على حافة النفق، ويلتف بغطاء بطانية ينظر وهو يتمتم بكلمات "يمته الفرج ياربي" يقول كرار انتظرت سيارات السحب لأخذ سيارتي التي لا املك غيرها فهل سوف تعوضني الحكومة بأخرى وهي الآن لا تعمل فقد احترق المحرك بالكامل، وحتى أجرة سحبها جمعها الناس في المنطقة لأنني خرجت بملابسي الداخلية، أليس من حقي إقامة دعوى ضدهم وأطالب بتعويض عما أصابني، موضحا بقوله "اعلم أنني لن احصل على شيء فقد يتهموني بالإرهاب واعتقل، والكثير من المآسي والحوادث جرت في ذلك اليوم المأساوي، فمنطقة الإسكان الواقعة قرب ساحة اللقاء والتي تمثل مركز بغداد الرئيسي لبيع الأثاث غرقت جميع المحال الواقعة فيها ورفض أصحابها التعليق أو التكلم، واختصروا كلامهم بجملة" الله لا ينطيها للحكومة هجمت بيوتا !".
سكان قطاع 39
اتصالات عديدة وصلتنا من أصدقاء عدة يسكنون في قطاعات مدينة الصدر وخصوصا قطاع 79 الذي لم يجد سكناه غير الجلوس والنوم فوق السلالم. المواطن أبو صالح قال: قبل شهر غرقنا وصرح المسؤولون بانه لن تتكرر الحالة "يا حكومة ليش يصير بحالنا هيج" ابو صالح علق قائلاً "التوبة إذا ننتخب بعد".
أما مرتضى الذي وصل إلى بيته بعد أن ركب قاربا، "نقصد"حاوية نفايات، وقد استخدم عدد من قطع الأشجار "للتجديف" مع مجموعة من الناجين من الغرق في منطقة حي الرشاد وصولا إلى قطاع 39 .. فيقول: أطفالنا بالمدارس حالتهم لا تسر العدو فقد جاءونا يرتعشون بعد أن غرقوا بالمياه وسقطوا بالوحل ومياه المجاري التي طفحت وأخرجت ما خفي من سرقات المسؤولين والمجالس البلدية الذين تناسوا أن هذا الشعب هو الذي انتخبهم وأوصلهم إلى كراسي الحكم، "لكن لا حياة لمن تنادي"، كما يقول أبو مرتضى.
سيطرات خاوية
توجهنا بسيارتنا صوب منطقة حي الجهاد في الساعة الثانية والنصف ظهر يوم 25/12/2012، هذه المنطقة التي يسكنها 170 الف نسمة عبر شارع المطار الذي كان يغرق لكن ببطء، والسيطرات المنتشرة هناك أصبحت خاوية من الحرس، فالمياه غمرت مواقعهم والغريب أن الشلالات والنافورات "ما زالت تعمل وقت هطول المطر وهذا ما فلحت به أمانة بغداد" التي تعاقدت مع إحدى الشركات الأجنبية لإدامة هذا الشارع، والواضح ان من يديرها هو قريب احد المسؤولين لأنه من غير المعقول أن يغرق شارع انفق عليه ما يقارب الـ500 مليون دينار قبل فترة قصيرة، ويشهد نفس المأساة التي تعيشها  بقية الشوارع التي لم ينفق عليها شيء.
المهم استطعنا الوصول إلى شارع السوق الرئيسي للحي في الساعة الرابعة والنصف، حيث السيارات واقفة لا تستطيع المرور بسبب طفح المياه التي اخترقت مداخلها، والتي كانت تقل تلاميذ مدارس وموظفين؛ أطفال يصرخون خوفا، وموظفون يحاولون الولوج سيرا على الإقدام وسط ضحالة المياه الباردة وزخات المطر خوفا على أطفالهم من الغرق... مناظر ومواقف مأساوية مخيفة فالوقت بدأ يتقدم والدنيا أخذت تلتف بسوادها والأطفال لم يصلوا بعد إلى منازلهم، وبلدية الرشيد بأعضائها التسعة تنتظر أن يهدأ المطر... فوضى تعم الشارع وصراخ الرجال والنساء من اجل طلب مساعدة، لكن الكل عاجزون عن مساعدة بعضهم البعض، ومن استطاع تقديم مساعدة مع الأسف سقط مغشيا على وجه بسبب كثرة المطبات والحفر في الشوارع والارصفة التي غطتها مياه الامطار، ولأول مرة الحجر المقرنص صار ذا فائدة حيث رصّ بأعداد هائلة مشكلاً جسر عبور مشاة. والناس أصبحوا يمشون عليه بخفة ورقة مثل لاعبي السيرك العالمين، وهناك من يحمل هاتفه النقال لتصوير المشاهد كسقوط شخص أو غرق سيارة وما شابه ذلك.
ولا نعلم أين اختفت سيارات الجيش والشرطة والسيطرات المنتشرة في الشارع والتي كانت تجوب الشوارع والمنطقة ليلا نهارا ولترعبنا صفاراتها بسبب أو من غير سبب.
 احد المواطنين قال: ألم يكن على وزارة الداخلية تشكيل فرق إنقاذ للطوارئ وما أكثر الحوادث الطارئة في عراقنا بدلا من نشر قوات شرطة تختفي وقت الحوادث!
 وعود خدمات الرشيد
في صبيحة يوم 26/12 /2012 اتصلنا بالمجلس البلدي لمنطقة البياع الذي يترأسه فاضل العيساوي وصرّح لـ(المدى) قائلاً: استطعنا سحب جميع مياه الأمطار من المنطقة بالتعاون مع آليات إضافية قدمت من أمانة بغداد ومنذ ليلة 25 نحن نعمل بدون توقف وهذا ما نستطيع تقديمه للناس، طلبنا من رئيس المجلس البلدي لمنطقة البياع إيصال صوتنا ومناشدتنا لمديرية بلدية الرشيد، وللأمانة نقولها اتصل الرجل على الفور بمدير خدمات الرشيد وقاطع حي الجهاد وأعطانا رقم هاتفه واتصلنا بالمدير المدعو أبو شهد العامري الذي أجابنا بان الآليات التابعة للمديرية استنفرت بالكامل للعمل ولم تبق قطرة ماء في المنطقة، لكننا قلنا له إن الشارع العام ما يزال غارقا ومحلة (879) غارقة والناس لا يستطيعون الخروج من منازلهم، فأجابنا مشكورا! بأننا سوف ننام ونصحو يوم 27 ولن نجد قطرة ماء، والرجل كان محقا! حيث زادت المياه ودخلت إلى المنازل ولحد يوم 28/12 وزقاق 879 وشارع حي الجهاد الرئيسي وشقق حي السلام يستخدمون الكراسي والحجارة للعبور وصولا إلى مبتغاهم. أما المدارس فقد عطلت ذاتياً في المنطقة بكاملها لمدة يومين متتالين.
 مسطحات مائية
وعلقت أم عبد الله من سكنة المنطقة  "الله لا يوفق كلمن ياذي هذا الشعب"، وعبرت  عن انزعاجها بسبب غرق منزلها بمياه الأمطار، وأنها وعائلتها المكونة من 4 أفراد لم يناموا منذ يومين لأنهم يحاولون "نزح" الماء بأي وسيلة من داخل البيت إلى الشارع.
يضاف إلى ذلك استمرار قطع التيار الكهربائي في معظم مناطق بغداد، ما سبب تذمرا شديدا لدى الأهالي، وعدم استطاعة أصحاب المولدات الأهلية التشغيل بسبب غرق مولداتهم. فيما شهدت نقاط التفتيش المنتشرة في عموم بغداد خلو منتسبيها والتخفيف من إجراءات التفتيش المعتادة، وكان المطر قد افلح في القضاء على الإرهاب!
هطول الأمطار استمر لعدة ساعات ما تسبب بإغراق الشوارع، وأصبحت اغلب الطرق الرئيسة الحيوية في مركز العاصمة عبارة عن مسطحات مائية. فيما اختفاء الجزرات الوسطية وعدم تميزها تسبب باصطدام السيارات والمارة بها لعدم رؤيتها لان المياه غطّت غرقها. واضطر عدد من أصحاب المركبات إلى ترك مركباتهم إثر وصول المياه إلى محركاتها وتوقفها عن العمل، علماً أن موازنة أمانة بغداد تعادل ميزانية أربع وزارات، المسؤولون في أمانة العاصمة وكالعادة أمينها بالوكالة، عبد الحسين المرشدي يصرح عن تشكيل خلية أزمة مشتركة تضم في عضويتها أمانة بغداد ومحافظة بغداد ومجلس المحافظة للسيطرة على مياه الأمطار التي هطلت بغزارة على العاصمة، وأكد المرشدي حالة استنفار قصوى لملاكات الدوائر البلدية وتشغيل محطات المجاري بأقصى طاقاتها لاستيعاب وتصريف مياه الأمطار التي هطلت بغزارة على مدينة بغداد، وأكد "أهمية المعالجة الفورية لمياه الأمطار المتجمعة في المناطق التي تعاني قدم شبكات التصريف والاستمرار بفتح الانسدادات والمشبكات، والجميع يسأل "هذه المعالجات نسمع عنها منذ سنين طويلة والحال كما هو عليه وليس بجديد يقال"!
هل تنفع التظاهرات؟
إلى ذلك، تظاهر المئات من أبناء منطقتي الشعلة والحرية نتيجة سوء الخدمات وتحول شوارع المدينتين إلى برك من المياه بعد هطول الأمطار مباشرة، وطالب المتظاهرون الحكومة المركزية بمعاقبة الشركات المنفذة للمشاريع الخدمية كون هذه المشاريع لم تكن بالمستوى المطلوب وقد افتضح أمرها خلال موجة الأمطار الجديدة، كما طالبوا أمانة بغداد والمحافظة بتوسيع خدماتهما في المنطقتين كونهما على حافة الانهيار نتيجة لسيول المياه التي باتت تهدد مساكن المواطنين.
سرقة في وضح النهار
 النائب عن كتلة الفضيلة حسين المرعبي قال " إن تكرار غرق محافظات العراق يكشف عن فشل مشاريع الصرف الصحي"، وأضاف"أن نسبة إنجاز وزارة البلديات لعام 2012 بلغت 30% بسبب هذه التداخلات والتقاطعات القانونية والإدارية، وان الحكومات المحلية تواجه عقبات في الصلاحيات مع المستثمر الأجنبي من حيث تخصيص قطع الأراضي".
وبيّن "أن تكرار غرق محافظات العراق يكشف بوضوح عن فشل مشاريع الصرف الصحي وعدم اختيار الشركات العالمية الرصينة المختصة بهذا الصدد"، مؤكداً على رفض أن يكون العراق حقل تجارب لشركات فاشلة تستنزف ميزانيات ضخمة دون جدوى.
وأوضح انه "بلغت الموازنة الاستثمارية لوزارة البلديات لعام 2012 (1.5 ترليون دينار) تقريبا، والهم الوحيد لدى الوزارة هو أن لا يتعطل العمل مهما كانت رداءته بدليل أن غالبية الطرق والمشاريع يعاد تأهيلها من جديد. "
وشدد "على عدم تجاهل هذا الهدر للمال العام"، لافتاً إلى التناقض الواضح في الكثير من المشاريع التي تتبناها الوزارات .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طقس العراق.. أجواء صحوة وانخفاض في دراجات الحرارة

أسعار صرف الدولار تستقر في بغداد

تنفيذ أوامر قبض بحق موظفين في كهرباء واسط لاختلاسهما مبالغ مالية

إطلاق تطبيق إلكتروني لمتقاعدي العراق

"في 24 ساعة".. حملة كامالا هاريس تجمع 81 مليون دولار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram