ليس فقط لأن المطر ..قد اغتسل وجهها المضيء ...وليس فقط لأن شوارعها تئن الفيض والعتمة وليس فقط ...وليس فقط ....!!الحلة التي أردناها أن تراكم وتنعش تاريخها المخضب بالرجال ...مدينة أزفها الفرات وارتوى خجلاً ...وصخباً بجمال ساحاتها وحدائقها ...وعلى قطرات اليوم ....تفيض الحلة ...بالعتمة والماء وإهمال المسؤولين .
لا أعرف كيف ومن أين أبدأ ...ليس لأني لا أجيد الكتابة ولكن لأن الحكم في البديهيات يبدو أصعب من تشخيصها باعتبارها واقعا ملموسا ومعاشا وواضحا ولايحتاج إلى حنكة أو فراسة للتشخيص والترميز والتحرير .وما كشفه المطر اخيراً ربما لا يكشفه أو يثبته شيء آخر على مقدار التناسي والغفوة الهانئة التي يستظل بها المسؤولون في المدينة ، ومع همّ الفوضى والفاقة والبحث عن العيش الحلال يتحول بهم( أهالي الفيحاء) خير المطر إلى وبال والى ركن جديد للمعاناة التي بفضل حكومتها المحلية غدت قائمتها طويلة .
وإذا كان المسؤول أي مسؤول في المدينة يعتقد أن الانتخاب هو المعيار الأول لشرعية البقاء وممارسة الإدارة والسلطة فهو واهم ...وحالم ..فالوجع اليومي الذي ابتلى به المواطن الحلي لايبدو من المنسيات أو من الأساطير، بل هو يشتكي إلى الله والقدر على ماجاءت به تلك التوافقات ...بالعتبة وبأذيال القوائم ...بؤس الإدارة والمسؤولية والفشل الذي ابتلت به المدينة ويومياً يذهب مالها وترحالها إلى قرارات شخصية والى جهل في التخطيط وفي ستراتيجيات إدارة مدينة كانت منذ الأربعينات إحدى مدن العالم المكتظة بالذكر والسياحة وتصدير المعارف .
وهي اليوم ...بفضل الصدفة السياسية وبآليات التوافق الديمقراطي...وبفضل الترهل الحكومي والإداري الذي لانعرف من يقود مقوده الوزارات أم المحافظة أم المجلس أم...الأحزاب ...لانعرف سلّم النجاح لمن يقود المدينة ...وإذا كان البعض ممن يتشدق ببعض الشجيرات التي أينعت في جزرات الحلة..أو أضوية الشوارع ...فان ذاكرتنا كجيل وسط مازالت هائمة بورود الجوري والقرنفل والروز التي كانت تفترش حدائقها الوسطية، واليوم ومع مصباح مطري ويفترض ككل مدن العالم ..وحتى في حضاراتنا القديمة كان المطر يُستقبل على انه خير ...وخصب ...ونماء ..وهو هبة الله لنا ...لكنّ الفاشلين ...النائمين ...والذين يديرون المدينة خارج نطاق التغطية الشعبية...وخارج نطاق المشاركة...خلف سياجات الاستحكام الأمني ..وخلف السيارات المظللة عديمة الأرقام .. وخلف الحمايات والإيفادات ...و ...وكل ذلك لم يجعل احدهم يخجل من انزلاقات الأطفال...ومخلفات الشوارع ..ومن الفوضى التي تراكمها أيام التقاسم ...وكأن التغيير حصل لأجل تلك النماذج والصور والسلوكيات التي سئمناها.
وعلى ذكر فشل الإدارة في الحلة من استيعاب خير المطر ...وعلى ذكر فشل الإدارة في توفير كرامة المواطن في الدوائر ومؤسسات الدولة..وعلى فقدانه طبيعة العيش الآمن المنظم الذي يمكن لنا أن نُغدق ..ونحس به وننعم ..بالأموال الهائلة التي تصرف على أشباه مشاريع ..
جسور وأبنية ..وساحات مهملة وتشتكي من التصميم والتنظيم والاستكمال أربع سنوات من الويل والثبور في شوارعها وأزقتها (لمشروع المجاري )مليارات صرفت والمشكلة مازالت قائمة وبلا أسف تُسرع سيارات المسؤولين ...في وسط بحيرات الماء دون توقف أو خجل أو استقالة ولو كان لدينا قانون يحاسب القرارات الخاطئة وهدر المال العام لما تورط البعض في استلام زمام الإدارات والقيادات وتحمل مسؤوليات بغاية الأهمية والكفاءة والحرص على الوقت والجهد والمال، لكننا نمهل ونتمتم سوف يتعلمون ..وستتراكم الخبرات و لن تتكرر الأخطاء ونُدافع عنكم وعن التجربة آسفين ...ولانريد أن نُجرح أحداً أو نرفض أحداً، لكن الواقع المؤلم الصباحي هذا اليوم ...مدينة معطلة وأطفال دون مدارس... وأهالي يسبحون في الشتاء،وسيارات تتحول إلى زوارق !! جعلنا ندق لكم ناقوس الأسف وبكل احترام نقول اتركوا شأن الحلة لمن يُريد أن يُضيئها ويُعّمر ما خربه البشر والمطر...سنموت ولن نرى نجاحاً يُفرحنا في مدينة ننتظر منها ألقاً وضوءاً وحضارة .
ولا نعرف على أية حال إذا كان المسؤولون يريدون الترشيح مرة أخرى ... ونتعجب !!!على أي خطاب وعلى أي ذاكرة مجتمعية يستميلون ..وعلى أي إنجاز ...وعلى أي تواصل ستأتون مرة أخرى ..لماذا...لماذا لا تتركون الإدارة إلى دفق جديد والى عقل جديد. عسى أن يزيل هموم الناس ويعطيهم كرامة وشوارع تليق بالأموال والرجال...وأنتم عليكم بالراحة بعد أن أتعبتكم معاناة ضياع المدينة وخرابها.
مركز حمورابي للبحوث والدراسات الإستراتيجية