ما هي "الطائفية السياسية"؟
انها ببساطة اي تنظيم أو حزب أو تكتل سياسي يضم أبناء طائفة واحدة. عن حق او باطل فإن الإطار السياسي المتشكل من طائفة واحدة سيدعي انه يمثل آمال ومخاوف هذه الطائفة. وعن حق سيكون طائفيا لأنه ببساطة لا يضم في صفوفه غير لون طائفي واحد.
كان لبنان عبارة عن تسوية تاريخية بين طائفتين: المسيحيين والمسلمين. خاف المسيحيون من أن يبتلعهم المحيط العربي. وخشي المسلمون ان يقتطع المسيحيون جزءا من لبنان ينفردون به ويكون جزءا من الغرب. فجاء "لبنان الطائفي" عبارة عن تسوية تاريخية حملت شعار: لا للتغريب لا للتعريب.
وفي لحظة الاستقلال لم يفت اللبنانيون ان "الطائفية" ليست الصيغة السياسية الملائمة للإنتماء الى اسرة العالم الحديث، القائم على دولة القانون والمؤسسات وحقوق الانسان. ففي أول بيان وزاري لحكومة الاستقلال عام 1943 قال رياض الصلح:" ان النظام الطائفي وصمة عار في جبين لبنان". لكن هذه الحكومة انما قامت وتأسست على اساس هذا "العار". وهو على مر الزمان لم يضعف وإنما تعزز وترسخ.
نفس الشيء حدث في العراق بعد 2003 . النظام تأسس على أساس طائفي. والجميع يشتم الطائفية. التحالف الوطني مؤلف من قوى اسلام سياسي شيعي. و"القائمة العراقية" تضم أغلبية من القوى المؤلفة على أساس العصبية السنية. وكما كان لبنان حاصل خوفين، التعريب والتغريب، فان الطبقة السياسية العراقية هي ايضا حاصل خوفين. فالتحالف الوطني يخشى ان تكون تركيا والسعودية وقطر ظهيرا للسنة. و"العراقية" تريد أن توازن الدور الايراني في العراق بدور عربي تركي. هناك "حساسية" لدى "التحالف الوطني" من تركيا خاصة بلغت درجة قريبة من العداء. وهناك تحسس سني لدرجة العداء تجاه النفوذ الايراني في العراق.
لكن العداءين لم يتمخضا عن تسوية من نوع: لا أرينة ولا تتريك. وذلك لأن الصراع الطائفي في العراق داخل في تفاعلات وتعقيدات لم تستقر على وجه من الوجوه. فهناك صراعات حادة في الوسط السياسي الشيعي. كما ان الوسط السياسي السني الذي تمثله "العراقية" يفتقر الى الوحدة أو التناغم على مستويات الإدارة والأفكار.
ولعل احتجاجات المحافظات السنية الحالية هي بمثابة سورة غضب، سرعان ما تهدأ لتعقبها أخرى، تنفيسا عن انسداد "العملية السياسية". فهذه الأخيرة، وبسبب طبيعتها المؤدية الى اضعاف سلطة القانون، تحولت الى معمل دائم لانتاج الفساد والارهاب، فوق أزمات جانبية حادة، بين وقت وآخر، ناشئة عن نهج التفرد والاستحواذ الذي يتبعه المالكي.
والحال فإن الطبقة السياسية العراقية عاجزة عن الوصول الى الصيغة اللبنانية. وهي صيغة سيئة من دون شك لاضعافها الدائم سلطة القانون، وتهديدها الأبدي بحرب أهلية. ولكنها تحفظ الحد الأدنى من التوازن بين الطوائف، وتحول خاصة دون الحاق مظلومية محددة باحدى الطوائف، وتسمح بنسبة معقولة من الحريات الفكرية والسياسية والمدنية. كما ان طبقتنا السياسية عاجزة في الوقت نفسه عن تجاوز ذاتها الى صيغ وطنية عابرة للطوائف.
وفي العراق، كما في لبنان، نسبة علمانية لابأس بها من السكان. ولكنها عديمة الوزن لأنها غير ممثلة سياسيا بأحزاب أو تنظيمات فاعلة. إن هذه الشريحة هي ضد الطائفية فكريا وعاطفيا ووجدانيا، لكن سلبيتها تؤدي الى احتكار الطائفية للساحة السياسية. فهذه السلبية إذن تخدم الطائفية. ولهذا السبب بالذات تكون هي الأخرى من حيث النتيجة مع الطائفية.