صورة مصر في 2012 هي أقرب إلى لوحة تسودها خيوط متشابكة بكل الألوان الصاخبة.. ويُظللها الضباب. المشهد السياسي لم ينعم بالاستقرار المنشود بعد ثورة 25 كانون ثاني(يناير) 2010، ذلك نتيجة خطأ حُسن نوايا- وأحيانا حُسن مصالح- القوى المدنية تجاه فصائل الإسلام السياسي ، جماعة الإخوان و يدها الباطشة التيار السلفي. وتحولت نتيجة الخطأ إلى صدمة و خيبة أمل عبرت عنها القوى المدنية، إذ-كما كان متوقعا- تبخرت وعود الإسلاميين بعدما التهموا مُنجزات الثورة ومارسوا اللعب على حبالها "بما لايُخالف شرع الله"!
منذ بدء خطوات العملية السياسية نجحت التيارات الإسلامية في السيطرة على غرائز الشارع المصري عن طريق تحويل الخطوات إلى صراع بين "مسلمين" و"كُفار".. روجوا لفكرة مسخ الديمقراطية بعيدا عن طبائعها الأساسية، ليحصروها في نتائج الصندوق، وتجاهلت مصالحهم الشرهة أن ممارسة الديمقراطية تتطلب إرساء قواعد توعية اجتماعية ومناخ سياسي شفاف ، وان الصندوق الانتخابي هو آخر مراحل هذه الآليات .
خلال 2012 قام الإسلام السياسي- بعد سلسلة أكاذيب أعلنها عن عدم رغبته في الاستحواذ على مفاصل الحياة السياسية – بشحذ كل قواه للمنافسة على اغلب مقاعد مجلسي الشعب " البرلمان" والشورى.. حصدوا أغلبية نتيجة ممارسة كل الوسائل- الشرعية و غالبا غير الشرعية- . صدّق فقراء المصريين و طبقاتهم البسيطة أن من يرفعون الإسلام شعارا قادرون على إيصالهم إلى جنة وقف الانهيار المتواصل في أوضاعهم الاقتصادية والأمنية والاجتماعية.. تلت هذه الخطوة أغرب انتخابات رئاسية في التاريخ المعاصر.. وضعت نتائجها الأخيرة المصريين أمام الاختيار بين السياسي احمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد حسني مبارك، ومحمد مرسي، المرشح "الاحتياط" لجماعة الإخوان بعد استبعاد خيرت الشاطر، رجل الجماعة النافذ، بحكم قضائي. الفارق الذي "قيل"إن مرسي نجح به لم يتجاوز 1% ، بعد أن بذلت الإدارة الأميركية أقصى جهودها لتزكية حصول جماعته على المنصب ، إذ ما زالت تشوب هذه النتيجة شكوك كثيرة. المثير أن دافع المصريين في الاختيار لم يكن موجها لدعم أي من المرشحين، إنما هربا من انتخاب الآخر!!! غالبية من منحوا مرسي أصواتهم فعلوا ذلك رفضا لعصر حسني مبارك ورجاله دون إدراك انه أصبح في خبر كان، بينما الطرف الآخر وجه أصواته نحو شفيق خوفا من المخاطر الكارثية التي قد تعتري المشهد نتيجة تحويل مصر إلى "حقل تجارب" لمجموعة "هواة" لا خبرة لهم بالحكم وبالسياسة.. و لعل التداعيات من انقسام خطير إلى عنف و فوضى هي خير دليل.
لم تنتظر الجماعة طويلا كي تُكشِّر عن أنيابها الفاشية.. بعد صدور حكم قضائي بحل البرلمان "الفضيحة" نتيجة الأخطاء القانونية التي شابت انتخاباته وفشل مرسي بعد توليه الرئاسة في استخدام سلطاته لإعادة البرلمان، وجهت الجماعة معاولها لهدم المؤسسة القضائية عن طريق قوانين باطلة أقصت من يتولون أعلى المناصب القضائية لمجرد رفضهم توجيه القضاء إلى مصالح الجماعة .. ثم توالت بإصدار مرسي إعلان دستوري يُحصِّن قراراته ويمنحه سيطرة شاملة على القضاء وباقي السلطات مما فجّر الشارع وأعاد له ملامح ثورة 25 يناير(كانون الثاني) بعد تورط الجماعة في استخدام العنف في حصار أعلى صرح قضائي، وهو المحكمة الدستورية، ومنع القضاة من ممارسة عملهم.
جبهة الإعلام لم تسلم من عنف الجماعة، بعد أن فرضت سيطرتها على المؤسسات الصحفية الرسمية وقنوات التلفزيون الحكومية.. وهي مهمة قام بها وزير إعلام ونقيب صحفيين من الجماعة.. إلا أنها عجزت عن السيطرة على عشرات الصُحُف والقنوات الفضائية المستقلة وتحويلها إلى بوق دعائي يُسبّح بحمد مرشد الجماعة.. لذا يعتبر 2012 عام الممارسات العنيفة ضد الإعلام، بداية من محاولات إغلاق بعض القنوات المستقلة إلى تهديد وحرق مقرات الصُحُف المستقلة وحصار مدينة الإنتاج الإعلامي ومحاولات قتل والتعرض لإعلاميين وفنانين وضعتهم الجماعة في قائمة أعدائها.. حتى وصل الأمر أخيرا إلى قتل الصحفي الشاب الحسيني أبو ضيف الذي قام بكشف وتصوير الكثير من جرائمهم.
مصر في 2012 واجهت أزمة اقتصادية طاحنة تنتقل إلى العام القادم آثارها التي تتزايد فيها أعباء الديون والعجز في الموازنة العامة ونسب التضخم والبطالة مع تراجع الاحتياطي النقدي، حتى أن صندوق النقد الدولي أرجأ خطوات القرض الذي تفاوضت عليه الحكومة نتيجة تخبط وعدم جدية السياسة الاقتصادية وعجز الحكومة أمام شروط سيفرضها الصندوق، وسيتحمل الفقراء أعباءها من ضرائب وإلغاء الدعم على المواد الأساسية و زيادة الأسعار.. كل هذا يُهدد- في حال إتمام صفقة القرض- بحرب أهلية على إثر قرار سيصدر أول العام القادم برفع أسعار عدة مواد أساسية.
المؤسسة العسكرية لم تسلم من معاداة الإخوان عبر تصريح مرشدهم الأخير الذي حمل إساءة إلى هذه المؤسسة التي بادرت حازمة إلى إعلان رفضها لهذه التصريحات غير المسؤولة وتسريب أنباء مؤكدة عن غضب وتذمر بين قياداتها نتيجة هذه التجاوز.
يرحل العام 2012 بعد أن شهد تناقصا سريعا في مصداقية وجاذبية الإخوان إثر جريمة تمرير دستور ركيك انفردوا مع حلفائهم في صياغته عن طريق استفتاء هزلي سيطروا على كل مجرياته ومورست فيه كل صنوف التزوير والإرهاب والإشراف على لجان الاستفتاء بعد رفض قضاة مصر الإشراف على مهزلة الاستفتاء على دستور يُعيد مصر إلى عصور محاكم التفتيش وظلام الجاهلية.
أخيرا تستقبل مصر العام 2013 وهي في حال عدم استقرار سياسي واجتماعي وأمني واقتصادي تُنذر بأن الأسوأ قادم مع موجة من العنف السياسي المرتقب.. بينما شرعية مرسي وجماعته أصابتها شروخ عميقة بعد حصار القصر الرئاسي ومظاهرات حاشدة طالبته بالرحيل، مع موقف حيادي صامت اختارته المؤسسة العسكرية لنفسها.
كاتبة عراقية مقيمة
في القاهرة