تحقيق: أسماء عبيدتصوير: مهدي الخالدي لم يخطر على بال (حيدر) ذي الأحد عشر ربيعاً أن يكون يوماً جثة هامدة على يد صديقه المقرب بسبب خلاف بينهما على مبلغ تافه من المال (ألف دينار عراقـــي) إذ أخذه الصديق القاتل إلى النهر من جهة منطقة الدورة على أساس النزهة وهناك دفعه وتركه يصارع أمواج النهر العالية حتى طغت عليه وغطته وهو يصرخ ويستنجد، ولكن ما من مجيب أو منقذ قريب، وشهد هذا المنظر المرعب طفل آخر صديق لهما لم يكن يعلم بمخطط الجريمة وكان هو الآخر ضحية تهديد الصبي القاتل إن تكلم عما رأى
وفي النهاية انكشفت خيوط الجريمة بعد فقدان حيدر وتقديم أهله بلاغاً لدى مركز الشرطة إلاّ أن والد المجني عليه تنازل عن الدعوى لكون مرتكب الجريمة من المنطقة ذاتها واضعاً نصب عينه علاقة الجيرة الطويلة التي تمتد سنوات طويلة.حادثة جرمية أخرى في منطقة اخرى حين تعمد صبي في العاشرة من عمره الاعتداء على طفل من الحي يصغره سناً باستخدام شفرة حلاقة وتسبب بجروح عميقة للصغير، وقادت إلى مشاجرات بين ذوي الضحية وأهل الفتى الجانح.ولو تتبعنا الأحداث لوجدنا المزيد من الجرائم التي يرتكبها مراهقون دون سن الثامنة عشرة استخدمت في بعضها الذخيرة الحية والسلاح الأبيض في تنفيذ الجريمة، ويعزو معظم الباحثين هذه الظاهرة إلى تعرض الأطفال لأعمال عنف إجبارية وليست اختيارية في ظل فترة الإنفلات الأمني الماضية بما حملته من أعمال قتل وخطف وتعذيب وعمليات عسكرية ومليشياوية وعصابات إجرامية مختلفة، ورؤية الصغار الجثث المجهولة والمعلومة المتناثرة في الطرقات ليل نهار والكلاب تنهش فيها،فبدا الأمر سهلاً للمراهقين المندفعين خصوصاً الذكور منهم الذين يظنون أن الشجاعة تكون بحمل السلاح والسيطرة على الناس ليكونوا في موقع قوة ويخشاهم الآخرون. وكان للأفلام الغربية والرسوم المتحركة دور كبير في ترسيخ ثقافة العنف لدى الصغار حين يظهر الممثل في الفلم وهو يستخدم أنواع الأسلحة ويقتل ويسرق ويهابه الجميع فيكون في نظرهم بطلاً شجاعاً يقتدون به.رأي اختصاصي حملنا تساؤلاتنا بشأن تأثيرات أعمال العنف على أطفال العراق إلى ذوي الاختصاص بالصحة النفسية والأجهزة الأمنية للحصول على إجابات حول دورهم في إيجاد الحلول والمعالجات لهذه الظاهرة الخطيرة على المجتمع، وكانت محطتنا الأولى في مستشفى اليرموك مع مدير مركز الإسناد النفسي والاجتماعي الدكتــــور (علي حسن العبيدي) الاختصاصي بالأمراض النفسية والعصبية الذي اوضح قائلا:»أجرينا دراستين خلال عامي 2005 – 2006 بالتعاون مع مركز البحوث التربوية والنفسية في جامعة بغداد ومنظمة الصحة العالمية WHO على تلاميذ المدارس الابتدائية في بغداد، ووجدنا أن 50 – 58 % من الأطفال تعرضوا إلى حوادث عنيفة خلال السنتين المذكورتين، ولم نستطع إجراء دراسة عام 2007 لتردي الأوضاع الأمنية آنذاك»مضيفاً: تعرض الأطفال (عينة الدراستين) إلى حوادث تمثلت بصدمات نفسية كبرى من حالات قتل للوالدين أو أحدهما أو الأخ أو أي فرد من العائلة أو حالات فقدان وخطف وتعرضهم للاضطرابات الأمنية في مناطقهم السكنية، موضحاً: أن للمشهد العسكري في الشارع دورا كبيرا في تأثر الأطفال بالعنف، فضلا عن عدم الاعلان عن عقوبات رادعة للمجرمين وهنا الطامة الكبرى، إذ وجد المراهقون أمثال هؤلاء المجرمين مثالاً يحتذى به وعدوهم أبطالا، ولو كان المجرمون قد نالوا جزاءهم لأصبح لدى الطفل والمراهق عنصر ردع عن الجريمة، ولكم مع وجود مليونين ونصف المليون يتيم يعيشون في أجواء العنف والقتل واستشراء العصابات الإجرامية التي تستغل الأطفال في أعمالها المخالفة للقوانين وانتشار أفلام العنف والجريمة كل ذلك رسخ في أذهان الصغار غير المحميين اجتماعياً صورة المجرم الشجاع الذي لا يهاب القانون ويخافه الجميع وبالتالي تكون النتيجة مشاريع مجرمين كثر».ورداً على سؤالنا حول نسبة الأطفال الذين تعرضوا لاضطرابات الصدمات من عينة الدراسة قال: «وجدنا أن 14 – 17 % من هؤلاء الأطفال أصيبوا باضطرابات الصدمة النفسية المتجلية في اضطراب سلوك الطفل إذ يكون شديد الجفل وسريع الغضب والانفعال مع اضطرابات النوم والتبول اللاإرادي وظهور بوادر سلوك منحرف.وعن الكلام الذي يقال عن ضعف اداء المركز اوضح العبيدي»مركزنا للإسناد النفسي والاجتماعي هو من المراكز الرائدة في بغداد في هذا المجال ويعمل على معالجة المصابين بالصدمات النفسية وللفئات العمرية المختلفة وخصوصاً الأطفال والمراهقين، إذ نتعاون مع مديريات التربية والمدارس والمعلمين والمشرفين التربويين ومراكز الرعاية الصحية الأولية بهدف تأسيس منظومة وشبكة للرعاية الصحية النفسية للعناية بهذه الفئة من الناس، فهؤلاء الأطفال لم يولدوا مجرمين والجرم سلوك مكتسب من المحيط وما عاشوه من ظروف غير طبيعية ولهذا يمكن تغيير سلوكهم بالعلاج والمتابعة، وبالنسبة للمراهقين الجانحين نعمل مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية من أجل إصلاحهم نفسياً وتوفير العلاج والخطط اللازمة لإصلاحهم.ومن أهم النقاط التي دارت في بالنا هي كيفية إعادة تأهيل الحَدَث الجانح وكيفية تعامل أهله معه بعد خروجه من الإصلاحية؟. من أولوياتنا في إعادة مساندة الحدث بعد تأهيله وخروجه إلى المجتمع هو اننا اشترطنا على أهله أن يعود إلى مدرسته ونطالب المجالس البلدية بضرورة متابعة الجانحين المطلق سراحهم في مناطقهم ومتابعة دوامه
مسؤولون في وزارة العمل يتهربون من اسئلة(المدى )!
نشر في: 19 سبتمبر, 2009: 01:58 ص