بغداد/ بي بي سي rnبينما يتواصل السجال بين مؤيد لفكرة زيادة عدد القوات الغربية في افغانستان ومعارض لها، تثار بين الحين والآخر اسئلة حول ما اذا كان يتوجب على التحالف الغربي اتباع استراتيجية بديلة لحرمان مقاتلي طالبان من مصادر الدعم المحلي. مراسلنا في بغداد هيو سايكس يتأمل الدروس التي يمكن ان يتعلمها الجيش البريطاني من تجربته في جنوب العراق.
في اليوم الذي أنزل فيه العلم البريطاني للمرة الاخيرة في البصرة في وقت سابق من العام الجاري، صرخ عميد في الجيش البريطاني في وجه احد زملاء مراسل بي بي سي في العراق قائلا: «هيو سايكس هذا - اجبروه على تغيير موقفه!» ثم استدار العميد غاضبا ومضى دون ان يوضح سبب غضبه.rnالا اني شككت في ان السبب كان استماعه لتقرير كنت قد بثثته من البصرة بعد ان قضيت اربعة ايام اتجول في تلك المدينة واسأل سكانها عما حققه البريطانيون. وكان اكثر من سألتهم قد اجابوني بأن البريطانيين لم يحققوا الكثير.rnيعتقد الكثير من القادة الامريكيين والبريطانيين بوجوب تنفيذ المزيد من المشاريع الكبرى، والانكى من ذلك ان كل الذين اتيحت لي فرصة التحدث اليهم اشتكوا من ان ظاهرة تفشي الميليشيات المسلحة في البصرة لم تعالج الا بعد انسحاب البريطانيين من المدينة الى المطار.rnواضاف هؤلاء البصريون بأن الذي حيد هذه الميليشيات لم يكن الجيش البريطاني بل القوات العراقية من خلال عملية «صولة الفرسان» الشهيرة. وقال لي احد البصريين إن الوجود البريطاني في قواعد داخل المدينة زاد الطين بلة، وذلك لاجتذابه المسلحين الذين كانوا يحاربون البريطانيين. وكالعادة، كان المدنيون هم الضحايا. الا ان الامر الذي لاحظته لدى عودتي الى البصرة في وقت سابق من هذا العام هو الهدوء الذي كان يسودها.rnفالحياة كانت تدب في كورنيش شط العرب عند حلول المساء، حيث كانت العائلات تتجول تحت الاضواء الملونة بينما كانت المقاهي والمطاعم مكتظة بالزبائن. وقد اكلنا مرتين في مطعم عائم هو عبارة عن زورق محور. ولكن اجزاء اخرى من البصرة بدت اسوأ حالا مما كانت عليه عندما وصل البريطانيون عام 2003، ويسري هذا الانطباع على انهار البصرة بالتحديد. فهذه الانهار التي كانت تعاني الاهمال ابان حكم الرئيس السابق اصبحت اليوم اسوأ بكثير حيث تملأها الازبال وحفاظات الاطفال المستعملة وزيت المحركات والسيارات والدراجات المتروكة.rnذهبت ذات يوم الى مكتبة لابتياع رواية حول البصرة نصحني بقراءتها احد الاصدقاء. وبعد ان رحب بي صاحب المكتبة بحرارة ودعاني الى تناول كأس من الشاي، سألته - وكانت تحدوني رغبة في العثور ولو على برهان واحد يثبت ان الوجود البريطاني كان له تأثير ايجابي على الحياة في المدينة - عن كيفية الوصول الى سوق الاسماك الذي اعاد الجيش البريطاني ترميمه. وكان مسؤولو الاعلام في القوات البريطانية في البصرة يكثرون الحديث عن هذا السوق وكيف ان الجيش البريطاني اسهم مساهمة كبيرة في ترميمه واعادته الى الحياة. الا ان صاحب المكتبة استغرب من سؤالي و عاجلني بالسؤال: «سوق الاسماك؟ اي سوق للاسماك تتحدث عنه؟» وفعلا لم يعرف عدد من زبائن المكتبة الذين سألتهم عن السوق مكانه، بل لم يعرفوا عما اتكلم. وللعلم فقط، فإن سوق الاسماك موجود، ولكنه لا يشكل الا تفصيلا صغيرا في مدينة مدمرة لا يعلم بوجوده سكانها بالمرة.rnوتمثل هذه الظاهرة اخفاقا حقيقيا من جانب البريطانيين في تسويق النجاحات التي حققوها. كما تمثل مؤشرا الى وجه آخر من اوجه التشابه بين التدخلات الامريكية والبريطانية في العراق وافغانستان. فهناك فرضية واسعة الانتشار بين الدوائر المتنفذة في لندن وواشنطن تقول إن القوة العسكرية (واعداد الجنود الكبيرة) كفيلة بحل كل المشاكل. ولكن الاحساس الذي خرجت به بعد قضاء عدة اشهر في العراق وعدد من الاسابيع في افغانستان هو ان هذه الفرضية خاطئة جوهريا. فالجيوش تستطيع التعامل مع الاعراض وليس مع الاسباب المؤدية لهذه الاعراض.rnويعترف الجنرال ديفيد بتريوس القائد العسكري الامريكي السابق في العراق بأن خطته الشهيرة التي اعتمدت على زيادة عدد القوات لم تكن لتنجح لولا انقلاب العشائر على تنظيم القاعدة من خلال تشكيل ما اصبح يطلق عليه «الصحوات».rnفقوات حلف شمال الاطلسي في افغانستان قامت طبعا بإصلاح الطرق وترميم المدارس وما الى ذلك، ولكنها لم تنفذ ما يكفي من هذه المشاريع لكسب ود وتأييد المواطن الافغاني العادي. لقد قضيت، اثناء وجودي في العراق، وقتا طويلا اتحدث الى الضباط والجنود البريطانيين والامريكيين. وعبر لي عدة ضباط كبار عن اعتقادهم الراسخ بأن العمليات العسكرية التي تستهدف المسلحين محكوم عليها بالفشل ما لم يصاحبها تنفيذ مشاريع كبرى تهدف الى تحسين اوضاع الناس واشاعة الامل في نفوسهم من خلال توفير فرص العمل.rnففي عام 2005 على سبيل المثال كنت اصحب العقيد الامريكي بريان دوسر، وهو مهندس مدني وآمر لواء، في جولة بحي الزعفرانية في بغداد. واطلعني دوسر بفخر على شبكتي الماء الصافي والصرف الصحي اللتين كان فريقه قد انشأها. الا انه قال لي كلاماً وجدته مقنعا حقا: «كان علينا تنفيذ هذه المشاريع قبل هذا الوقت. فلا يسعك ان
لماذا لا يطبق البريطانيون دروس العراق في أفغانستان؟
نشر في: 28 سبتمبر, 2009: 02:22 ص