TOP

جريدة المدى > منوعات وأخيرة > "المضـــرّج بأضــــواء الأبديــة"

"المضـــرّج بأضــــواء الأبديــة"

نشر في: 2 أكتوبر, 2009: 06:10 م

رياض النعمانيالكتابة عن الباحث والمثقف الاستثنائي هادي العلوي تشترط نوعاً أو مستوى من الموقف الأخلاقي والمعرفي الصارم في النظر الى ظواهر العصر والتاريخ والثقافات الإنسانية والذي ينبغي أن يكون في حركة اتصال دائمة مع شؤون الواقع العياني للناس خاصة الفقراء منهم.
فمشروعية الكتابة والكاتب بنظر هادي تتبدى من خلال الانتماء الكياني الأعمق لقضايا الناس ومشاكلهم والمراهنة الكلية على طاقاتهم وبسالتهم واستعدادهم في التصدي لعوامل الظلم التي شوهت التاريخ وساهمت في إنتاج حقب فرخت طغاة و(سرسرية) تحكمت في حياة البشر واشعلت حروباً وموتاً وخراباً استمر سنوات طوال أجهزت على جماليات ومنجزات وآليات وتعبيرات إبداعية وفكرية باهرة هي إحدى أهم الخلاصات الكبرى لجهود روحانية عظيمة وتوصلات وعي كابد طويلاً كي يصل الى كشف المعنى الأعمق للحياة ولسيرورة التاريخ الكوني للإنسان.ان هادي المأخوذ بفكرة قطبانية المثقف وكونيته يرى ان هذه القطبانية لا تتحقق الا للمثقف المنتمي كلياً لشؤون الناس وهمومهم ومشاكلهم لأنه في التراب.. وفي التراب وحده يعثر العارف الحقيقي على حقيقته التي تمتلك طرقها السرية الخاصة التي تتصل بينابيع المعارف الكبرى والما وراء والمجهول.اللانهائيغير المرئيالمجهول،محور الوجودباب المعرفة الخالصةالمطلقكل تلك المتعاليات برأيه قد تجذرت في لهب الرغيف، ويبدأ منه فـ(هادي) الذي يحتقر الحاكم.. يرتعش في بكاء مرير أمام (كنّاس) ينهمك في رفع (الزبالة) عن الشارع.ان مبنى هادي المضرج بأضواء الأبدي يستمد معناه من جذر ية هذه الرؤية الصميمية الخالصة التي زودته بمكون شامل يرى في فصل الممارسة الثقافية عن الممارسة اليومية نوعاً من الاحتيال والكذب والنفاق يستحيل لدى السياسي الى فعل تدميري لإرادة الحياة تكون نتائجه الكارثية كما رأيناها وعشناها في عراق الديكتاتور صدام حسين والفاسدين الذين يسرقون البلاد والعباد اليوم.هكذا وقف هادي العلوي مجرداً من كل شيء الا من نزاهة موقف فريد يرى في يسوع وعلي ومصلحي ثقافات الشرق القديم مرجعيته الأولى الناصعة، فالرجل الذي استعاد سيرة الغفاري الأول وبشروط وعي أرقى تحدى وعاند وقاوم السلطات جميعها.. سلطة المال والدين والسياسة معيداً بذلك الهيبة كاملة لسلطة المثقف.بذلك العري الإلهي ذهب الى قبره سيداً حراً من كل قيد أو حد وجريرة – لم يملك هادي في حياته شيئاً ولم يملكه شيء-.. ذهب وهو الأسمر الترابي محفوفاً ببياض المطلق اللانهائي. من جهتي تسكنني فكرة لا استطيع إزاحتها أو حجبها عن نفسي وهي ان السماء –وبعد ان انصرف المشيعون- قد نزلت الى القبر واستعادت ابنها الضوئي الوحيد لتضعه في مكانه الحقيقي من مجرى النجوم الذي سيظل حتى النهاية جزءاً من الجوهر الذي لا يفنى للوجود.وبما ان الإنسان قد خلق من نور الله فأنه بعض من ماهية الله وسره وعظمته، فهو يأتي ويعود الى الله كما يقول (أوشو) مفكر الهند الكبير.في عموم جهد هادي الفكري اتخذت مقولة (راحة الخلق) مكانة خاصة جداً تحولت بعد ذلك الى مفهوم ومحورية فكر ظل حتى النهاية يدافع عنهما بشجاعة نادرة.. دفع من أجل تبيانهما وبنائهما الكثير.. الكثير من سنوات وعيه ونضاله المرير، وكان يقول بأن شرف المثقف والعارف يمتحن في سوح معارك النضال من أجل تحقيق هذا المفهوم.بعض المثقفين يعتبرون دفاع هادي الصميمي عن فقراء الخلق- وبهذه الصيغة الحادة –مرضاً يصاب به نفر من زهاد الحياة.. بينما ترى الحياة في أمثال هادي أبناءً خلصاً لها يمرون كشهب في أعالي السماء البعيدة التي لا تتكرر.في سياق دفاعه الباسل المستميت عن المثل النقية والأخلاقية العالية وعن المعذبين والمعدمين دفع الكثير من موظفي الثقافة المرتبطين بدوائر المخابرات الى معاداته وتشويهه وشتمه حتى وصل بالبعض اللذائذي الى تكفيره والدعوة الى هدر دمه.وهادي لا يكنز دماًولا مالاًولو كان اليوم حياً -وأنا على يقين راسخ من ذلك- لطالب نواب البرلمان الحاليين بإرجاع الأموال والهبات والامتيازات -وكل ما هو حق عام من حقوق الناس-  التي حصلوا عليها زوراً وبهتاناً وسرقوها علناً في مشهد فضائحي عرضه التلفزيون دونما مواربة أو خجل.لو كان هادي حياً اليوم لوقف هادراً كما وقف (أبو حنيفة) و)واصل بن عطاء) يصرخ بوجوههم:"أعيدوا ما سرقتموه من مال الناس حتى وان زوج بعضكم أبناءه ببعض هذا المال".في خراب أيامنا وأعمارنا وبلادنا التي تعاني احتلالات عدة، وثقافتنا كم تبدو خسارة هادي كارثة تشبه كوارث الطبيعة المدمرة.هنا.. وفي هذه المناسبة السريعة أحيي وأنحني للمرأة النادرة زوجة أبو الحسن التي تصر على البقاء في دمشق لحراسة هادي وعدم تركه وحيداً في رياح وظلمات الغربة الباردة.. تقاوم الوحشة والعيش وتستعين بما تقدمه (مؤسسة المدى) مشكورة من طباعة كتبه على ضراوة الحياة وامتحاناتها الصعبة الشرسة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بايدن: اتفاق غزة بات أقرب من أي وقت مضى

خرائط وبيانات ملاحية ترصد 77 خرقاً "إسرائيلياً" لأجواء أربعة دول عربية منذ تهديد إيران

مشعان الجبوري يخاطب "السيادة": اعتذروا والا

أمر قبض ومنع سفر لـ"زيد الطالقاني"

برلماني يكشف آخر مستجدات منصب رئيس البرلمان

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مسرحية لفناني واسط تحصد ثلاث جوائز في مهرجان النجف

بيت المدى يستذكر المسرحي والروائي محيي الدين زنكنه

أمراض يسببها نقص المغنيسيوم في الجسم..تعرف عليها

3 خلطات نباتية تعزز صحة دماغك

طرق لمساعدة كبار السن على التكيف مع التكنولوجيا

مقالات ذات صلة

دراسة: الأمراض المزمنة قد يكون سببها

دراسة: الأمراض المزمنة قد يكون سببها "صدمات الطفولة"

متابعة / المدىأظهرت دراسة أجرتها جامعة "دندي" في إسكتلندا أن الأحداث الصادمة والمرهقة في الطفولة، تزيد احتمالية إصابة الشخص بأمراض مزمنة متعددة في وقت لاحق من حياته بنسبة 13%. ووفق وكالة الأنباء الألمانية "د...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram