TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > ابن خلدون في مسرح .. سعدالله ونوس

ابن خلدون في مسرح .. سعدالله ونوس

نشر في: 2 أكتوبر, 2009: 07:11 م

علاء اللاميلم يقدم المبدع الراحل سعد الله ونوس في مسرحيته خطيرة الشأن (منمنمات تاريخية) مسرحا تاريخيا بالمعنى المألوف للمسرح التاريخي او للرواية التاريخية. وعلى الرغم من ذلك, فان المادة التي اشتغل عليها دراميا وسرديا, بقدر تعلق الامر بالجانب البنيوي, النثري بعنصر السرد, هي مادة تاريخية بحتة.
إن الإنجاز او الدقة, الجانب الاهم من الإنجاز المسرحي التأليفي لسعد الله, يكمن ويتبدى على جهة التحديد في هذه النقطة بالضبط, اي في فهمه لكُنه العلاقة بين المادة التاريخية الخام والإنجاز النثري المسرحي الطالع منها وخصوصا في عمله موضوع القراءة (منمنمات تاريخية).قد يبدو الامر, للوهلة الاولى, متعلقا بما يمكن تسميته التوظيف المسرحي للمادة التاريخية وللحكاية كقلب وروح لتلك المادة التاريخية, ولكن متابعتنا المسكونة بالا سئلة لهذه المسرحية ستثبت لنا خطأ هذا التفسير, او على الاقل عدم كفايته وكفاءته, إذ ان الموضوع لا علاقة له, هنا ايضا, بالتوظيف الاقتباسي, لسبب بسيط هو استمرار نص ونوس باداء وظيفة النقد الموجه عن بعد, إن صح القول, وتسليط الاضواء على نتوءات واخاديد, كان من الصعب اكتشافها في السابق على السمت التاريخي. إن عملية هيكلة النص تدخل مع (منمنمات تاريخية) منعطفا خاصا وواعدا لاستجلاء الحقائق التي اراد الكاتب إيقافها على رأسها او هتك سترها وتجريدها من كساء الوهم لتظهر كما هي في حقيقتها. ويمكن لنا, بقليل من الخفة, والكثير من الحذر, تشبيه ما يفعله ونوس بنمنمة التاريخ, وذلك بمنح فعل النمنمة بعدا مكانيا اعمق بكثير مما توحي به كلمتا (وقت) و(مكان) .إنها نمنمة وصياغة تعنيان اولا وقبل اي شيء آخر, تقديم المعالجة الجديدة المعاصرة للحكاية التاريخية إياها.ولقد سعى الراحل ونوس لتفسير فهمه الخاص للمسرح انطلاقا من ذلك, وفي عدة مناسبات. فقد كتب مثلا في مقدمة مسرحيته (الاغتصاب) يقول: (ان إلهام المسرح الحقيقي لم يكن في يوم من الايام الحكاية بحد ذاتها, وإنما المعالجة الجديدة التي تتيح للمتفرج تأمل شرطه التاريخي والوجودي.الاعمال الكاملة (مج 2 ص 63) وتأسيسا على هذا, ستغدو الحكاية التاريخية او تلك المتخيلة اقل اهمية من المعالجة المسرحية الجديدة والحاوية لمضامين الشرط التاريخي المعاش من طرف الجمهور والكاتب معا.ولكن هل معنى ذلك تقصد العبث بالمادة التاريخية في مرحلة الكتابة الاولية؟ وهل يعني التأليف بحد ذاته عملية تركيب إضافي مسطحة او ذات بعد واحد, تمتع مادتها من نبع الماضي المتجمد في الماضي, وايضا من نهر الحاضر سريع الجريان, ام إنه التأليف اكثر تعقيدا وتشابكا من ان تفسره هذه الاسئلة؟لنحاول رصد الموضوع بالعودة الى تجربة سعد الله في المنمنمات, فهو اولا, يحافظ على صحة ودقة المادة التاريخية حدثا وشخوصاً وبيئة عامة. ويُدخل كل ما تقدم ذكره من عناصر ومكونات الى مرجل النثر المسرحي الخاص به, والمشتغل بقوة موهبته وثقافته وإحساسه الوجداني العميق, ليخرج النص المنجز في منتهى الامر وكأنه تاريخ عتيق آخر يشبه الى حد التوأمة تاريخنا الجاري امام انظارنا.وربما كانت وقفة ونوس مع العلامة ابن خلدون مناسبة ينبغي التدقيق والفحص الاعتباري عندها ومعرفة مقدار خطأ او صواب الفرض النقدي الذي اتينا على ذكره في ما تقدم من كلام, مع ا نه لم يبدأ بابن خلدون بل بالشيخ المقاوم برهان الدين التاذلي.الانتصار في هزيمة الشيخ التاذلي:خصص سعد الله المنمنمة الاولى للشيخ التاذلي وعنونها كالتالي (الشيخ برهان الدين التاذلي او الهزيمة). وثمة قراءتان محتملتان لهذا العنوان الاولى تقول بقرن الهزيمة العسكرية امام جحافل المغول بالشيخ المجاهد قرن السبب بالنتيجة فالشيخ لم يتخل عن سلفيته وتشدده مع ما هو عليه من روح مقاوم وطبع جسور وقد تجلى ذلك في موقفه السلبي إبان محنة العالم المعتزلي الشيخ جمال الدين بن الشرائجي.اما القراءة الثانية, والتي نميل إليها مرجحين, فهي تلك التي تجعل جهاد الشيخ ذا منحى إيجابي بمعايير التاريخ مقارنة بمواقف رجال دين جشعين الى درجة الكلبية, وخانعين الى درجة التفريط والخيانة, ومثالهم هو الشيخ ابن مفلح ومجموعته والتاجر دلامة ومجموعته ممن لا يهمهم الوطن والناس والدين بل املاكهم الخاصة واملاك الاوقاف التي يسرقونها بانتظام! اما ورود كلمة الهزيمة بعد العاطف المفيد الاختيار (او) فلا يعدو ان يكون اقتراحا لعنوان آخر مستقل. يمكننا إذن قلب المعطى المضموني لهذه المنمنمة واعتبار الانكسار العسكري لاهل دمشق واستشهاد الشيخ التاذلي وزملائه المجاهدين نصرا سيقطفون ثماره ويذكرنا بمعركة (عين جالوت) التي هزم فيها المغول هزيمة نكراء. وسوف يغدو هذا التفسير او الفرض النقدي على درجة عالية من الوضوح والمعقولية متى ما انتهينا من الاطلاع على تفاصيل مواقف وآراء العلامة ابن خلدون الاستسلامية الخانعة بل والبالغة حدود الخيانة والتعاون مع العدو الغازي ورسم خريطة جغرافية للمغرب العربي مرفوقة بكتاب وصفي للبلاد وناسها وإمكاناتها بريشة ابن خلدون بناء على طلب تيمور لنك.ولإعطاء هذا الكلام التعميمي شيئا من الواقعية نعود الى المنمنمة الاولى والتي تمثل بحق رزمة مفاتيح المسرحية وليست مفتاحا واحدا لنجد الركائز التالية والصالحة للنمذجة:ال

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram