اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > هاجس البحث عن العدالة

هاجس البحث عن العدالة

نشر في: 4 أكتوبر, 2009: 05:22 م

سميرة المانعبدايةً، جدران عالية دون شبابيك.  نوافذ مطلة على الداخل، على الداخل فحسب.  المنطقة صحراوية قاحلة منعزلة. سكانها محافظون تقليديون. تلبس الفتاة العباءة السوداء عندهم وعمرها ما بين الحادية والثانية عشرة. ماذا يُلهي فتاة صغيرة وحيدة بين بالغين  في منطقة الزبير القفراء؟! الالعاب؟  لا وجود لها.  الاصدقاء، المتنزهات أمور نادرة.
ليس أمامها سوى خرق مرمية من فضلات أقمشة يرميها الكبار، أحيانا ،  تراها فتلتقطها لتصنع منها أجساداً لدمى بمختلف الاشكال والالوان.   تصبغ وجوهها باقلام ملونة جامدة، تكلمها كبشرلهم أنواع التصرفات المتزنة والخرقاء، كمعارف وأصدقاء.  هذه هي الاخ، تلك هي الابنة، وذا هو الاب المتزمت الذي يخافه الجميع. تذهب ، أحيانا، مع أهلها إلى مدينة البصرة، وهي  تبعد ما يقرب من 20 دقيقة بالسيارة عن الزبير، وسرعان ما تنبسط  أمامها خضرة لا نهاية لها، حيوية مستفيضة ، مقاه ، أنهار، نساء سافرات سائرات ، فتحسب التناقض بين المنطقتين سنّة الحياة، جزءا من الطبيعة الكونية. تعود إلى دارهم الصامتة في الناحية القاحلة ، مذعنة ، صابرة ، كشيء لا بدّ منه.التناقض في  الكون يدهشها. اكتشفت عن طريقه التسلية والمفاجأة والمغامرة.  فكيف إذا ما تسنى  العثور على كتب منوعة مشوقة في هذه الدار المملة الخرساء. كتب متناقضة ، مؤنسة، متجهمة، ممزقة، مفرحة، مصورة . تنقل العالم إلى عقر دارها. عالم متناقض بميوله، بسلوكياته الخطرة والمجنونة، بتعاليمه الذكية ومواقفه في الحب والاصلاح.  تزداد نهماً في التفتيش عنه ، الاطلاع عليه، خصوصا  أثناء ما يكون أهلها نائمين في قيلولة قيظ  صيف العراق وما أطوله ، بسرداب بارد مظلم خصص  لنوم الظهيرة لمن يريد أن ينام . تتسلل خارجة منه للاعلى، دون ضجة لتبحث عن العالم لتسليتها أثناء استغراقهم بالنوم  الخالي من الاحلام بتصورها.كانت الكتب تغطي بعض جدران البيت، قسم منها عائد لابيها والبقية لاخيها الكبير.   يحتفظ الأول  بالقديم المصفر الحريص عليه  وهو يعيد قراءته مراراً وتكراراً بلا ملل أو ضجر. عناوين هذه الكتب لا تخلو من اغراء: " العقد الفريد" أو " مروج الذهب"..الخ. أما الجديد ذو الغلاف اللامع البراق  فمن مقتنيات الثاني، المولع بالتزود به بكل ادمان. ينوعه ويغيره باستمرار، يركن بعضه إلى جانب بعض، مشغولا بتقليبه والتفتيش بين صفحاته  بين حين وآخر  مسرورا جذلان. قسم من هذه الكتب وتلك  تتحدث عن الماضي السحيق، عن آخر تطورات الحرب العالمية الثانية، ما فعله هؤلاء بهؤلاء.  كتب تتحدث عن الحب والغرام، عن الرسائل الزرق والمخدع، عن الشخص الآخر الذي يحتاط الجميع، كي لا تحتك به أو أن يلامس أذيالها في القادم من الايام. بعد أن اتمت الثانية عشرة تنبهوا لها بجد، غلفوها بالعباءة كطريدة صيدت فلتغلق دونها الابواب. هل هناك اعتراض؟ ! لا ، لماذا؟   تركتهم يمارسون صنوف الخوف عليها وبظنون مختلفة. تنظر لهم فلا تقول شيئا . إنها متفرجة فقط.  تراهم كاشباح، مقارنة مع اصحابها الحقيقيين بين طيات الورق.  فلان تزوج من فلانة ، لا يعنيها، ما أهمية هذا اللغو والضوضاء؟! أمّا أن تذهب " زنوبة" بطلة رواية " عودة الروح" لتوفيق الحكيم إلى الساحر كي يجد لها وصفة للزواج عن طريق الهدهد ، هذا هو الواقع بعينه.وكما لو كان هناك من يراقبها بعناية ورأفة  رأت  مجتمعها ، في مدى قصير، يتطورنادما منتبها  لسلوكه. استطاع أن ينفض العباءة السوداء عنه بمحض إرادته . يسير للامام بخطى حثيثة مقدام دون تدخل أوعنف قسري من أي كان.وكأن المرأة العراقية، التي سُمح لها بدخول المدارس جيلا قبلها، اقنعت رجاله بذكاء كي تفتح النوافذ أخيرا ، تشرّعها كي يدخل الهواء النقي للامكنة العفنة الفاسدة المظلمة فتتغيرالاوضاع.  سارعت هذه المرأة إلى إنهاض نفسها من جثوتها بوصفة سحرية عن طريق " العلم".  تقدمت  برغبة عارمة  من دون بكاء أو صياح بتظاهرات صاخبة أو أن تعلن التمرد والعصيان . وجدت في التعليم العلاج الباهرالشافي لانقاذها من الجب كما انقذت جدتها شهرزاد نفسها من مخالب شهريار. وسرعان ما خلعت عباءتها بهدوء ومن دون ضجة في معظم شوارع ومدن العراق الكبرى.. قبلت بعدها في الدراسة بكلية مختلطة ببغداد. زاملت  شبابا، بعفوية، من دون شدّ عصائب وأوهام.  صارت الضغوط التي مارسها البعض عليها خلال سنيها الاولى بمدينة الزبير محض ترهات مضحكة  سخيفة. أخيرا،  في الصف الثاني بدار المعلمين العالية، في جامعة بغداد ، وجدت شيئا تقوله.  كان محبوسا في صدرها طيلة هذه الفترة. حانت الفرصة فجأة.  الوقت الذي اختيرهو اختبار نصف السنة بمادة الانشاء وكان في سطور قلائل : ( كنت عمياء ، وحيدة ، واجمة كنتُ... هذا ما حدثتني به زهرة الليمون و

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram