وائل نعمة ذكريات اليوم الأول في الدراسة الابتدائية مازالت تعلق في الأذهان بالرغم من مرور سنين طوال على مغادرة هذا اليوم الجميل المخيف لدى الكثير من الأطفال، فلهذا اليوم خصوصية كبيرة لما له من تأثير كبير على حياة الطفل بتغيير نظامه الذي اعتاد عليه منذ خمس سنوات وانتقاله من اللهو واللعب الى الانتظام بدوام يبدأ من الصباح وينتهي في الظهيرة.
ذكريات اليوم الأولتلك الطفولة البعيدة انزوت مع تقدم العمر وزحف السنوات؛ وحينما يكبر الأطفال تبقى صورهم ماثلة في الذاكرة، ولا شك أن اليوم الدراسي الأول هو اليوم الحاسم في إضفاء لمسة خاصة على تحول مفاجئ في المزاج اليومي للطفل وهو يخطو الخطوة الأولى نحو حياة العلم والتعليم ..ترى ماذا بقي في ذاكرة الأدباء والفنانين من يومهم الدراسي الأول؟صورة شمسية أولىالأستاذ فاضل ثامر رئيس الاتحاد العام لكتاب وأدباء العراق تحدث عن خصوصيات هذا اليوم وكيف كانت ملامحه «كان ذلك في يوم جميل من أيام أيلول عام 1945، عندما نهضت مبكرا وأنا أتلهف لكي ابدأ يومي الأول في الصف الأول الابتدائي، كانت الأسرة بكاملها منهمكة طيلة أيام إعدادي للمدرسة .كان قد اصطحبني أبي قبل أيام الى المدرسة لتسجيل اسمي بعد ان التقط لي صورة شمسية ، كما بذلت والدتي مجهودات كبيرة لتهيئة الملابس اللائقة لطالب اليوم الأول في الدراسة الابتدائية .لم أكن الوحيد الذي يذهب الى المدرسة ذلك الصباح، فقد كان عدد كبير من اقراني يشاركوني تلك الفرحة منهم الصديق قاسم علي الذي أصبح فيما بعد مشرفا تربويا والصديق أكرم صادق الذي أصبح طبيبا اختصاصيا بالعيون، وبهجت عبد الواحد الباحث اللغوي والإذاعي المعروف ،وغيرهم من الأصدقاء ، كنا آنذاك نسكن في منطقة البتاويين، وكنا نطلق تسميات خاصة على أزقتنا ذات نكهة شعبية، فزقاقنا هو (عكد الغويشات) وهو اسم إحدى العوائل القديمة التي سكنت الشارع، لذا فقد سرنا في موكب أشبه بالمهرجان ونحن نخترق الشارع الرئيسي المؤدي الى مدرستنا الجديدة مدرسة البتاويين الابتدائية، حيث مررنا بعدد من الأزقة التي يخرج منها المزيد من التلاميذ الجدد، ومررنا بالكنيس اليهودي، لان المنطقة آنذاك كانت تضم خليطا من المسلمين والمسيحيين واليهود، ثم وصلنا الى سوق الخضروات واللحوم المشهور وكان يحتل ركن سوق ( مقهى راشد)، ثم مررنا بمحل محمد الرواف الذي كان يروف الملابس، والمكوي عبد الواحد، والبقال عبد الأمير، وفرن الصمون، كنا نشعر بالزهو ونحن نتلقى التبريكات والنظرات المشجعة من أبناء المحلة لكن هذا الإحساس سرعان ما تحول الى رهبة ونحن نرتقي السلالم الأولى التي تقودنا الى المدخل.كان يقف في البوابة مدير المدرسة الأستاذ صادق الفتال بقامته العالية وعدد من المعلمين الذين كانوا يرحبون بالقادمين، وهو ما خفف لدينا الإحساس بالخوف.سرنا داخل الأروقة العالية وطلب منا الانتظار في الساحة بانتظار صافرة الاصطفاف الصباحي . كنا مثل المذهولين ونحن نتطلع الى بعضنا البعض ونتعجب من الهدوء الذي يتحلى به التلاميذ في المراحل الأخرى القدامى، لكن اللحظة الفاصلة كانت صافرة معلم الرياضة بصافرته في مقدمة التلاميذ وطلب من تلامذة الصف الأول الوقوف في مكان خاص بهم فتراكضنا نأخذ مواقعنا ونحن نحمل حقائبنا الثقيلة، نحاول استعادة رباطة جأشنا ، ثم تحركنا في طابور نحو صفنا الجديد حيث توزعنا على المقاعد وتطلعنا الى السبورة السوداء التي أمامنا، وفجأة دق الباب ودخل معلم الصف قائلاً (قيام) فنهضنا بوجل، ثم تطلع الينا بتفرس وقال لنا: جلوس.جلسنا ونحن نتحسس مقاعدنا الصلبة ونتطلع الى وجه معلمنا الجديد الذي بادرنا بالقول: أرحب بكم في اليوم الاول من دوامكم في الصف الأول وأتمنى ان تنجحوا جميعا في نهاية العام، لكنكم يجب ان تجتهدوا وتعملوا بنشاط، والاهم من كل هذا ان تتصرفوا بأدب ولياقة .ثم امسك (بالطباشير) وكتب في أعلى السبورة كلمات لم نفهمها لكنها كما علمنا لاحقا تشير الى تاريخ اليوم واسم الدرس (القراءة)، ثم طلب منا ان نفتح كتاب القراءة صفحة (دار دور) وهكذا بدأ اليوم الأول من حياتي المدرسية».صورة شمسية ثانيةبكلمات جميلة وشفافة تذكر الأستاذ الكبير حميد المختار أول يوم في الدراسة الابتدائية حيث قال: في أول يوم لي من أيام الدراسة الابتدائية كنت خائفا جدا بحيث انني امتنعت عن تناول الطعام، حتى والدتي جاءت ومعها خبز وخيار وقد استأذنت من المعلم حتى استطيع أكل شيء من الطعام، فأخذه المعلم وجاءني وهو يقول لماذا لا تأكل؟ هل أنت خائف؟ كنت اعتقد ان المعلم شيء فوق البشر وهو مرعب ومخيف، كنت ارتجف منه وأبكي، لكن وبمرور الوقت أخذت اعتاد على الحياة في المدرسة حينما عقدت زمالات وصداقات واكتشفت ان المعلم هو أب ثان يحنو علينا ويحبنا ويعلمنا، وكان المعلمون في وقتنا أيام الابتدائية والمتوسطة وحتى الإعدادية قدوة حقيقية وكانوا شموعا تنير ظلمات الأنفس قبل ظلمات السماء، اما اليوم فالأمر أختلف كثيرا وما عاد الطلاب يخافون او يهابون ولا حتى يحترمون، كنت في السابق اذا رأيت أستاذي أتردد كثيرا قبل ان ألقي عليه التحية وصار الطلاب اليوم يمسكون أستاذهم ويشبعونه ضربا مبرحا، اعتقد قد تغيرت أشياء كثيرة وما عاد الأمر يشبه السابق، أتمنى اليوم ان يعود الطلاب
ذكريات البنطلون القصير
نشر في: 4 أكتوبر, 2009: 05:32 م