رفعة عبدالرزاق محمدعلى كثرة الذين كتبوا عن مقتل نوري السعيد عصر يوم 15 تموز فما زال الحادث يكتنفه الغموض ومازالت تفاصيله موضع خلاف بين الذين كتبوا عن ثورة 14 تموز 1958 غير ان احدا منهم لم يستطلع مكان الحادث ميدانيا حسب علمي باستثناء المرحوم الدكتور اكرم فاضل الذي فعل ذلك. واتصل ببعض الذين وقعت الحادثة في محلتهم وكتب بذلك رسالة طريفة بعثها للمرحوم محمود العبطة اطلعت عليها في الايام الاخيرة
وفي محاضر محاكمة عائلة الاستربادي امام المجلس العرف العسكري تفاصيل اخرى وردت في افادة الذين رافقوا نوري السعيد الى حتفه.. وفي هذه النبذة القصيرة حاولت التوفيق بين مختلف الروايات المنشورة حول القضية مع تأكيدي على ان (شهادة) الاحياء الباقين ممن لهم صلة بالحادث بشكل او بآخر من الضرورات التاريخية التي يجب الاهتمام بها بصورة جدية!..الثابت ان الرائد بهجت سعيد، من الضباط الاحرار كان مكلفا صباح يوم 14 تموز 1958 ان يتوجه بسريته الى بيت نوري السعيد في منطقة كرادة مريم واعتقاله، والحق به المقدم وصفي طاهر لانه سبق ان عمل مرافقا للسعيد وعلى معرفة جيدة ببيته ولسبب غير معروف تماما تمكن نوري من الهرب في الساعة الخامسة والنصف بملابس النوم واستقل قاربا كان راسيا قرب مسناة داره المشرفة على النهر غير انه شاهد عددا من الناس على الضفة المقابلة فعاد الى منزل الدكتور صالح مهدي البصام القريب من داره، ومن هناك تم هروبه عن طريق وضعه بالصندوق الخلفي لسيارة مرتضى البصام (شقيق صالح) الى بيت الحاج محمود الاستربادي في الكاظمية.وفي اليوم التالي وجد نوري السعيد ان مخبأه في بيت الاسترابادي اصبح محفوفا بالمخاطر بعد ان اجرت السلطة تفتيشا للدور القريبة مثل دور عبدالامير البصام ومحمد تقي اسد الله ورشدي الجلبي فقرر اللجوء الى مكان آخر، بعيدا عن الكاظمية اما ا نه آثر الاختباء في دار هاشم جعفر (شقيق ضياء جعفر) او دار الشيخ محمد العريبي، وكلا الدارين في محلة البتاويين فهذا امر لانستطيع تفسيره الا باعتبار ذلك محطة وسطية للانتقال الى محل آخر ربما كان السفارة الامريكية في العلوية.وفي الساعة 2,45 من بعد ظهر يوم 15 تموز 1958 غادر نوري السعيد بيت الاسترابادي متنكرا بعباءة نسائية و(بوشية) سوداء وضعها على وجهه بصحبة زوجة محمود الاسترابادي (بيبية بنت سيد علي القطب) عمرها 85 عاما ومن صديقات اسرة نوري السعيد منذ اكثر من ثلاثين عاما ورافقتهما (زهرة حيدر) عمرها 82 عاما وتعمل خادمة في بيت الاسترابادي واستقل الجميع سيارة الاسرة شوفرليت سوداء، رقمها 1585 بغداد التي تعود للحاج محمود الاسترابادي وعمره 80 عاما وقاد السيارة المدعو (كاظم علي زغير) عمره 22 عاما، يعمل سائقا للاسرة، وقد سارت السيارة سالكة الشارع الرئيسي في الكاظمية ثم طريق العطيفية فالجسر الحديدي فشارع (غازي) فشارع الشيخ عمر فساحة الطيران ثم شارع السعدون، ودخلت الشارع المقابل لمدرسة الشرطة والذي يؤدي الى ساحة النصر حتى وقفت بباب دار هاشم جعفر (محاضر المجلس العرفي).ولاصحة لما ذكرته اكثر الكتب من ان مظفر بن محمود الاسترابادي هو الذي قاد السيارة فالذي قادها كان السائق (كاظم علي زغير) ودخل نوري السعيد وبيبية القطب وزهرة حيدر الى بيت هاشم جعفر، وبقوا نحو 10 دقائق وخلال هذه الدقائق خرج (عمر) ابن هاشم جعفر واسرع الى وزارة الدفاع وقابل عبدالكريم قاسم واخبره بمكان نوري السعيد ويبدو ان ماقام به ابن هاشم جعفر كان لدفع اية شبهة تدور حول اسرته التي كانت على صلة حسنة باسرة نوري السعيد بعد حملة اعتقال رجال العهد الملكي، وما ان علم السعيد بخروج ابن صاحب البيت ترك مع مرافقيه المنزل وتوجهوا الى بيت محمد العريبي القريب من المكان ويبدو انهم كانوا غير متأكدين من موضع بيت العريبي، فساروا على امل ان يجدوا من يدلهم عليه.والان، لندع الدكتور اكرم فاضل يتحدث عن استطلاعه الميداني بصدد ذلك، فيقول: (..... توجهت الى ساحة النصر جاعلا صيدلية الكندي عن يساري وولجت الزقاق المؤدي الى سوق البتاويين واهتديت الى حانوت الحلاق (ستار) حسب نصيحة الاستاذ انطوان قيصر الذي يسكن دارا قريبة من الحادث شاهدت عند الحلاق رجلا طويل القامة جالسا فقدمت له نفسي وقدم هو لي نفسه فاذا به المحامي الدركزلي، فاخذ بيدي الى زقاق آخر يقاطع السوق واراني موضع مقتل نوري السعيد.. ان نوري قد اوغل في السوق جنوبا ثم انحرف شمالا للوصول الى دار محمد العريبي وحين عرفه اهل الدار اوصدوا الباب بوجهه، ويظهر انه كان يستقل سيارة سوداء مع السائق وبيبية زوجة الاسترابادي والخادمة، فاتجهوا بعدها الى فرع اخر ينصب في الشارع العام الذي تشغله حوانيت باعة الفواكه والخضراوات وقد ترجل هو وبيبية وفي هذه الاثناء مرقت سيارة معاون الشرطة وكادت تصدم نوري السعيد فالتصق بالجدار ولم يلحظ المعاون شيئا وكان على مقربة من ذلك المكان طفل عمره ست سنوات ترك دار اهله فاخذ ابوه العريف في القوة الجوية بالبحث عنه فوجد امامه شبحين ولمح رجلين عريضي المنكبين يتحامل على نفسه من التعب والحر وكانت تسير الى جانبه امرأة بدا التعب عليها كذلك ولكن العريف رأى برقعا على وجه احدهما هو عبارة عن (خاولي) فصحبه، في افادات المجلس العرفي كان نوري السعيد يغطي وجهه ببوشية سوداء.. فاذا هو وجها لوجه مع نوري السعيد، اعتقد ان احدهما او كلاهما لجأ الى الشتائم،
هرب من منزله وتاه في الشوارع حتى لقي مصرعه
نشر في: 4 أكتوبر, 2009: 05:51 م