TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > ادورد سعيد.. الحنين الى المكان الخطأ

ادورد سعيد.. الحنين الى المكان الخطأ

نشر في: 9 أكتوبر, 2009: 03:59 م

علي حسينفي المكان الخطا .. مذكرات حميمية عن عالم ضائع منسي دونه المفكر الفلسطيني ادورد سعيد ..الكتاب سيرة ذاتيه لخلجاتنفس صادقة اراد من خلالها الكاتب تصوير جزئيات حياته بكل دقة وامانة ، بالنظر لما تخللها من ترحال وسفر ومنفى واغتراب متنقلا من القدس الى القاهرة
وهو طفل ومن ثم الى لبنان والاولايات المتحدة الامريكية يحمل في ذاكرته صور اصدقاء ومعارف وزملاء .. يفتتح ادوارد سعيد مذكراته بالعبارات التالية :في كل العائلات يصنع الاطفال ويبتدع الاباء ، ولكل قصته وشخصيته ولغته ، وكيف وجدت في عالم الوالدين وكيف تاقلمت مع اخوتي الاربعة ، وقد امضيت الجزء الاكبر من الفترة المبكرة من حياتي وانا لا اعرف ماذ اذا كان هذا الخطأ يعود الى اخفاقي المستمر في قراءة دوري المحدد داخل هذا السياق، ام يرجع الى عيب دفين في تكويني، فاحيانا ما كان يصيبني العناد واغدو فخورا بعنادي هذا، ولحظات اخرى كنت ابدو لنفسي مثالا لانعدام الارادة والشخصية وفي كل الاحوال فان الشعور الطاغي الذي كان يتملكني دائما هو ان شيئا ما ينقصني ويدفع بي خارج المكان وهكذا انقضت من عمري خمسون عاما قبل ان اعتاد على اسم (ادوارد).. ذلك الاسم الانكليزي السخيف الذي تم اقحامه عنوة على اسم عائلتي العربي الواضح.ويمضي ادوارد سعيد في هذا الفصل ، يستعرض اصله وتاريخه العائلي فنتعرف على ابويه وجدوده بل واخت جدته التي امضت حياتها في التدريس وسط العبثات التبشيرية بالقاهرة، والتي لعبت دورا هاما في حياة عائلة ادوارد سعيد الصغيرة فهذه السيدة هي التي اتت بأم ادوارد سعيد (هيلدا ابنة اختها) من فلسطين في اوائل الثلاثينيات لتزفها الى والده (وديع) رجل الاعمال الفلسطيني الاصل، الامركي الجنسية والمقيم بالقاهرة منذ العشرينيات انه عالم الاقليات (الشامية) بحسب التعبير المصري الشائع عالم الانعزال عن المصريين ومحاولات الارتباط بالغربيين، ينتصب امامنا بسحره الخاص وحزنه الشفيف في هذا الفصل الاستعادي يحدثنا ادوار سعيد عن هذا العالم فيقول:تدرجت هوية (ادوارد) من كونه ابنا (لوالديه) في المقام الاول ليصبح بعد ذلك اخا لاخواته البنات ثم اخيرا ذلك الصبي الذي ارسلوا به الى المدرسة ليظل يحاول من دون جدوى التزام القواعد المطلوبة. والصورة التي تم ابتكار ادوارد على شاكلتها كانت ضرورية بالنسبة لابويه اللذين ابتكرا لنفسيهما صورة خاصة التقطت من هنا ومن هناك وفقا لظروفهما الخاصة فهما كانا مختلفين بشدة في النشأة والمزاج وان جمعتهما الجنسية الفلسطينية وكانا غريبين يعيشان في قاهرة عهود الاستعمار ويمارسان حياة اقلية مسيحية بروتستانتية تتواجد داخل بحيرة اوسع من الاقليات المختلفة كانا وحيدين بلا سند سوى ما يقدمه كلاهما للاخر، اما اطارهما المرجعي فقد كان مزيجا من العادات الفلسطينية السائدة قبل الحرب العالمية وبعض الافكار الجذابة عن الحياة الامريكية المستقاة من المجلات والكتب ومن السنوات العشر التي امضاها ابي في الولايات المتحدة هذا بجانب اثر الارساليات التبشيرية عليهما، وما تبقى من سنوات الدراسة غير المكتملة واخيرا اثر النزعات البريطانية الاستعمارية السائدة آنذاك، وانماط الحياة المحيطة في مصر، ومحاولتهما ملاءمة بعض هذه الانماط وفقا لظروفهما الخاصة، فهل كان يمكن بعد كل هذا ان يشعر ادوارد بأي شيء آخر سوى ذلك الاحساس الملح بأن شيئا ما ينقصه ويدفع به خارج المكان.بعد التعرف على الملامح الشخصية لادوارد سعيد في الفصل الاول تمضي بنا الفصول التالية من المذكرات متنقلة ما بين القاهرة باحيائها الغنية ومدارسها الاجنبية التي نشأ فيها ادوارد سعيد وتعلم حتى سن السادسة عشرة والعديد من المدن الفلسطينية التي اعتاد اهله زيارتها في الجازات الصيف الطويلة، وبالذات مدينة القدس التي ولد فيها عام 1935 حتى نصل الى الفصل السادس وهو اطول فصول الكتاب، واكثرها مباشرة في تناول القضية الفلسطينية بحيث يمكن اعتباره واسطة العقد بين الجزء السابق له الجزء اللاحق.يبدأ الفصل السادس من المذكرات وادوارد الصبي يحتفل بعيد ميلاده الثاني عشر في منزل العائلة بالقدس عام 1947، وابناء عمومته الاكبر منه يحدثونه عن شؤم تاريخ ميلاده، الذي يواكب نفس تاريخ ذكرى وعد بلفور، ولاننا كنا قد تركنا ادوارد الصبي في نهاية الفصل الخامس ينعم بحياة الاقليات المترفة في قاهرة مابعد الحرب العالمية الثانية، يرتاد هو وعائلته السينمات والمسارح، وبخاصة دار الاوبرا المصرية حيث يتعرف ادوارد على ما سيغدو لاحقا حبه المقيم (الموسيقى الكلاسيكية الغربية بشكل عام والاوبرا بشكل خاص) فان الحديث عن وعد بلفور في بداية الفصل السادس يجيء بمثابة الصدمة التي تنقلنا الى عالم بعيد تماما عن براءة العالم الذي تتناوله المذكرات في المائة صفحة الاولى.ونحن لا نعرف بالتفصيل لماذا انتقلت عائلة سعيد الصغيرة الى القدس مع مطلع عام 1947، ولا لماذا بقيت بعيدا عن القاهرة هذه الفترة الطويلة التي اضطرت معها الى الحاق ادوارد الصبي بمدرسة القدس وعدم الاستطراد في مثل هذه التفاصيل يخدم الهدف العام من هذا الفصل بالتحديد الذي هو مرثية لوطن يوشك على الضياع فها هي عائلة فلسطينية تقيم خارج البلاد تأتي الى الوطن في

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram