* السينما والامبريالية وطروحات الاستشراقيوسف يوسف في المنجز الذي حققه ادوارد سعيد، تتعانق العديد من مكونات المعرفة البشرية، لذلك تتنوع المداخل الى عالمه، من هذه المداخل نظرته للسينما، التي اكتشف علاقتها بالامبريالية مثلما اكتشف علاقة الرواية بها.
وادوارد الذي اتجهت جهوده الى ما نعرفه عنه (الاستشراق والامبريالية وثقافتهما تحديداً) ولم يتناول السينما بتوسع على الرغم من قدرته على ذلك كما توضح اراؤه فيها ليس من المعقول ان يكون متفرجاً عادياً، ذلك أن مفكراً مثله يمتلك طاقة هائلة على استيعاب ما حوله وتحليله وتقديم نتائج قل التوصل اليها عند سواه لابد ان تحتدم في اعماقه الرغبة لمحاكمة ما يراه من سرديات بصرية.قد يظن بعضهم خصوصاً السينمائيين ، أن ادوارد في مثل هذه الحالة يمكنه تقديم رؤية اجتماعية او سياسية او فكرية عامة ولا يمكنه تجاوزها بحكم الاختصاص في حرفة السينما لكنه وكما سنتبين لاحقاً لم يكن كذلك. وصحيح انه في رؤيته للسينما استطاع اكتشاف محتواها الفكري الا انه في الجانب الآخر من هذه النظرة يبدو لنا كما لو انه صاحب اختصاص حتى وان لم يدرس السينما في اكاديمية.إن الموسيقى الذي هو قادر بالتأكيد علي التناغم مع معزوفات الآخرين السينمائية وفي ذلك فأن خاصية التلقي التي يمتلكها لابد ان تجعل لارائه قيمة كبيرة حتي وان لم يكتب النقد السينمائي بالشكل المتعارف عليه.لقد ادرك ان السرد السينمائي الذي هو متوالية بصرية لايختلف موقعه في هيكل الامبريالية عن موقع السرد الروائي الذي هو متوالية لغوية ناقشها وحدد مكوناتها وغاياتها ليس كفن منفصل عن الحياة وانما كواحد من مكوناتها التي ظلت شغله الدائم لقد ارانا بعين اليقين كيف نشطت الرواية في خدمةالمستعمرين وكيف اغدقت على افعالهم المضادة له كأنسان يرفض فكرة القرابين التي يتقدس الجلاد بها الكثير من البطولات وهو ايضاً سوف يرينا وضمن المدار ذاته كيف نشطت السينما في خدمتهم، وكيف اغدقت على افعالهم الكثير من البطولات وكيف شوهت صورة الآخرين والي هذا يقول (بمناسبة الحديث عن الاستشراق في السينما):يرتبط العربي أما بالفسق او بالغدر والخديعة المتعطشة للدم ويظهر متحللا ذا طاقة جنسية مفرطة قديراً دون شك على المكيدة البارعة المراوغة لكنه جوهرياً سادي خؤون منحط تاجر رقيق راكب ابل صراف وغد متعدد الظلال هذه بعض الادوار التقليدية للعربي في السينما.الحكم على السينما الغربية ان ادوارد في هذا المقطع يوجز في كلمات قليلة الحكم الذي يصدره على السينما الغربية وهو حكم لم يأت من فراغ وانما بعد مشاهدات عكف عليها ضمن مشروعه الكبير الذي توغل فيه بعيداً في تحليل الثقافة والامبريالية وهو تحليل واسع عميق الدلالة اذ ليس من المعقول أن يصدر شخص بمنزلته الفكرية حكماً بدون تمحيص بالتالي فأن ما يقوله في سطور تعجز كتب عن قوله وهذه احدى مزايا صياغاته اللغوية حيث لا اسراف في القول ولاثرثرة زائدة صحيح أن من بين فضائل هذا القول أن ادوارد يعرفنا بكيفية تعامل السينما الغربية معنا كعرب الا انه اذا ما نظرنا اليه ضمن سياقه العام في البحث عن جرثومة الاستشراق الفتاكة لمكافحتها يرينا بلا شك قدرة المفكر الشمولي على الكشف عن المعارك المستترة التي يعد الاستشراق في السينما ، احدى قنواتها المريبة وهي غابة ليس من السهل تحقيقها لو لم يكن ادوارد يمتلك ترسانة ثقافية هائلة.وسوى هذا الاتجاه الفكري من نظرة ادوارد للسينما هناك الاتجاه الجمالي الذي يمكن لنا اكتشافه من اطروحاته وهو اتجاه قوي ايضاً، يرتبط بسمو ذائقته الفنية التي تقل رؤيتها عند مفكرين آخرين ممن لهم قامات طويلة مثل قامته وان اشتهروا في ميادين اخرى.فيلم ظلال الغربلنأخذ مثالاً الآراء التي يقولها عند الحديث عن فيلم (ظلال الغرب) المأخوذ عن كتابه (الاستشراق) في الفيلم الذي شهدناه للتو هناك مشهد البداية في القدس : البساط السحري وصور الناس الذين يركضون عبر الصحراء وهو مشهد سهل المنال لأي أحد ان مثل هذا القول الذي قد يبدو عادياً لا يخلو من اشارة الى صدمة التلقي التي تستدعي بدورها الحديث عن بنية اللقطة الواحدة وكذلك عن مجموعة اللقطات التي يتكون المشهد منها وما قصد ادوارد من وصف المشهد بأنه سهل المنال لأي احد الا الاشارة الى اسلوبية المخرج جيوف دنلوب التي تخلو من التعقيد لسنا مدفوعين للنظر الى قول ادوارد كونه مجرد انطباعات عابرة فالمفكر الذي انشغل عقلياً وجسدياً لمدة طويلة من اجل انجاز كتاب الاستشراق لابد انه سيفكر ملياً قبل التصريح برأيه خصوصاً عندما يجمعه الحوار مع رايموند ويليامز (الاقوال الواردة على لسان ادوارد من محاورة جمعت الاثنين بمناسبة عرض الفيلم السابق الذكر وكذلك فيلم الريف والمدينة المأخوذ كذلك عن كتاب ويليامز الذي يحمل الاسم نفسه). وهذا الافتراض علي الرغم من انحيازنا لكل ما انجزه ادوارد لا ينطلق من نزعة عاطفية ونحن فيه نحاول الكشف عن احد المداخل اليه بالوقوف امام نظرته للسينما، وللفيلم الناجح، فأدوارد الذي آمن بنظريته التواصل بين الاقسام المنفصلة وضرورة ان يكمل بعضها البعض الآخر لايحدد قيمته الفيلم من خلال مشهد واحد لكن هذا المشهد عن القدس صورة جيوف
فكر ادوارد سعيد والشاشة
نشر في: 9 أكتوبر, 2009: 04:22 م