TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > فضح سطوة الآخر

فضح سطوة الآخر

نشر في: 9 أكتوبر, 2009: 04:26 م

عقيل عبدالحسينينصب جهد ادوارد سعيد على الحديث عن التصور الغربي الذي يقيم تمييزه لنفسه ويحدد موقعه في العالم من خلال تقديم تصور نمطي عن الآخر او الشرق وهو تصور عملت مؤسساته البحثية عبر عشرات السنين على ترسيخه وتقويته باستعمال المنهج وادعاء العلمية والموضوعية التي تظهر شرقا وتضمر شرقا آخر،
وليمارس الغرب من خلال ذلك سلطته التي تأتي من المعرفة او ادعاء المعرفة بذلك الشرق، معرفة تفوق معرفة اهله به. وهي معرفة لا تنتمي الى الاخرين كما يقول (اشكروفت) ولا تمثل حقيقتهم ولكن هذا لا يمنع من ان يصدقوها ويخضعوا لها في النهاية.ان خلق الشرق ضروري كما يرى ادوارد سعيد كي يستطيع الغرب تعريف نفسه وتقوية هويته فبالشرق يعرف الغرب ويقوى. ولنقل بالروحاني يعرف العقلاني وبالبربري يعرف المتحضر وبالمتأخر يعرف المتقدم وهكذا..تعمل الثقافة الغربية على تعزيز موقع الغرب وعلى الدفاع المستمر عنه بادوات ووسائل مختلفة، يتوقف ادوارد سعيد في كتابه (الثقافة والامبريالية) على واحدة من اهمها، اعني السرد بوصفه تمثيلا للهوية وللذات وللآخر. وهو تمثيل تظهر الذات فيه متفوقة وقطبا فيما يظهر فيه الاخر بربريا وثانويا ليتأكد موقع الذات فهي المقدمة، ولتتطهر فليست هي مستعمرة او غازية وانما محررة ومبشرة.ولكن ما علاقة تصورات ادوارد سعيد السابقة بسيرته (خارج المكان)؟ ولد ادوارد سعيد في القدس ولكنه انتقل الى مصر مع عائلته التي تنتمي الى الطبقة المتوسطة وتنتمي عائلته الى المجتمع العربي على الرغم من ان اباه قد خدم في الجيش الاميركي وحصل على الجنسية الاميركية وعاد بها ليتزوج ويستقر في مصر. ومعنى ان اسرة سعيد تنتمي الى الطبقة المتوسطة والى المجتمع العربي انها كانت الوريثة لقيم الثقافة العربية التقليدية والحارسة لها وهي قيم تؤكد  المتابعة والتشذيب والقياس على سلوك الاب المطابق للسلوك الذي يحسن ان يتعلمه الابن ويلتزم به. وهو ما يعبر عنه سعيد بقوله: (ان كل شيء يجب حشره في قوالب معدة سلفا يفضلها ابي وتتجسد في اقواله المأثورة) (208)*. وابواه يثقفانه ليكون ادورد(هم) وليجد في طبيعته وفي سلوكه المخالف لسلوك الاب عيبا وضعفا ونقصا فوالده (لم يبك مرة ولا يتحدث عن المشاعر التي لابد انها كانت تنتابه في اللحظات الحرجة) (155) ولذا يقول هو عن نفسه: (ولما كنت اعتقد ان سخاء دمعتي هو في عداد مثالبي الكثيرة، فقد اعتبرت فعلة ابي مظهر قوة يحسد عليها) (155).وكانت امه امتدادا لسطوة ابيه ولقوته فهي تذكره بانه عاجز عن ان يكون كأبيه رجل اعمال ناجحا(210) وهي تلاحقه بعينيها وتحصي عليه تصرفاته فيتمنى ان ينجو من تحديقتها المسيطرة(223) قليلا. ويفعل مدرسوه الشيء نفسه فهم يؤكدون اراء اهله فيه وتعليقاتهم على افعاله، (وكان مصدر القوة فيما قالته ورددته وهي تقيم اداءه وسلوكه في انها جمعت كل الملاحظات السلبية والنقدية المحيطة بي.. وركزتها في حاوية فولاذية مقيتة وكبستني فيها كسبا) (121) وهو ما يفعله اهله فهم يحاصرونه ويريدون ان تتحد سلوكياته في قالب محدد مرفوض ومكروه. انه يشعر بعد هذا انه بلا تاريخ يقيه حكم مدرسته فهو حكم مطابق لما يعرفه اهله ويؤكدون عليه ويعرفونه له من تاريخ وسيؤدي ذلك الى ان يضيع(ادوارد) الحقيقي الموجود في داخله. يقول:(على ان الافدح وقعا من ذلك الفضح... هو خشيتي الدائمة بل كرهي، لإعلان الاخبار المسيئة على نحو مباغت بما لا يتيح لي الرد عليها والتمييز بين (ادوارد) في جماع اعاقاته وخطاياه المعروفة، وبين الكائن الجواني الذي اعتبره ذاتي الحقيقية والفضلى) (121) واذا اجمعت اراء والديه ومعلميه على انه ادوارد(هم) فمن الصعب ان يظهر ادوارد(ه) او ذاته الجوانية. يقول:(والان لم يعد في مستطاعي استظهار تلك الذات اذ تواجهني ذات وحيدة لا مناص منها، منقوصة بل محكوم عليها الاخفاق لا تستقيم مرة، بل انها بالتاكيد شاذة وفي غير مكانها) (121) وستصير هذه الذات هويته التي لا يملك بديلا عنها. لقد كانت نظرة أبيه تقيمه وتمنحه هويته وتحكم عليه فيضطر الى القبول بها لانها صادرة من المجموع وهي تطاله من الخارج فتنظر الى ما يبرز او يشذ سواء كان سلوكا ام مظهرا فما ابعد مشيته عن التوازن وجسده عن التناسق كما يقول ولذا كان يشعر بان جسده خائف(دائما من الانكشاف والفشل) (234) في مراهقته ولذا كان مكبلا فيما بعد بالشكوك والارتيابات بصدد جسده (وهي شكوك زرعها فيه ابوه) (39)يواجه ادوارد مشكلة انه مقسم بين تلك النظرة الحادة المؤثرة وثقافته التي كانت تتصل بالغرب فقد درس في مدارس انكليزية في القاهرة وتذوق الموسيقى الكلاسيكية وعرفها كما تذوق الاوبرا والمسرح وغيرها من الفنون التي تتصل بثقافة الآخر الغربي. ولذا كان متمسكا بهويته الاخرى او ذاته الجوانية التي كانت تتصل بذاكرته القوية وهي تمكنه من ان يستعيد بصريا مقاطع كاملة من كتب متخيلة وكانت تلك الذاكرة (تتغذى لا من ادوارد الذي يسهم في انتاجه اهلي والمعلمون والملهمون الفكريون وانما تتغذى من ذاتي الجوانية الاقل طواعية، ذاتي السرية التي تستطيع ان تقرأ وان تفكر بل وان تكتب باستقلال عن"ادوارد") (280) وسيمهد هذا التعامل مع الذات الجوانية الى بروز الهوية في مرحلة لاحقة حيث بدأت

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram