علي حسن الفوازمن عادة القيمين على منح جائزة نوبل للاداب ان يؤطروا اختياراتهم للفائزين بتوصيفات ومقدمات تعطي للشخصية الثقافية المختارة نوعا من التميّز وقوة الحضور ومهابة التاريخ والفرادة في السياق، وبما يؤكد جدية وموضوعية الاختيار اولا،
وكذلك منح الشخصية(المنتقاة) قيمة نوعية واستثنائية في مجال انجازها وتفردها في الفضاء الثقافي ناهيك عن( البهارات النقدية) التوصيفية التي تجعل هذا الاختيار بمثابة قصب السبق في خدمة الجمال والانسان والحضارة وخصوصية ما يكتبه في الانبعاث على تأهيل القراءة الثقافية للقرن المعلوماتي.هذا ما جرى لاغلب الذين يقترحون للفوز بالجائزة، بدءا من جان بول سارتر الرافض للجائزة، وانتهاء بالمسرحي الانكليزي هارولد بنتر الذي فاز بالجائزة دون غيره ايضا بحظوتها، لان القيمين قدموه بمواصفات وخصائص خارقة للعادة، وانه صاحب حظوة درامية وكاريزما مسرحية اعادتنا الى زمن برناردشو، حدّ ان البعض سماه بصورة اله المسرح، وهو رغم اهميته في هذا الضرب من الفنون، الاّ ان القيمين تجاوزوا بهذا الاختيار اكثر المبدعين استحقاقا للجائزة ابداعيا وتاريخيا وتأثيرا واقصد هنا الشاعر العربي ادونيس، الذي يعدّ الان رمزا كونيا من رموز ثقافتنا المعاصرة، فضلا عن اضافاته الثقافية التي تتسم دائما بالجرأة والحيوية والوعي الفاعل والانحياز الى قضية السؤال الانساني والحضاري في بحثه عن الهوية والوجود والمصير... وهذا ليس بحساب الانحياز لادونيس المرشح المزمن للجائزة، رغم عدم الاتفاق مع الكثير من افكاره، لكنه اكثر الادباء والباحثين الاحياء المهتمين في الشأن المعرفي والشعري استحقاقا لهذه الجائزة، ولعلي لاابالغ ان اغلب الفائزين بهذه الجائزة في السنوات الاخيرة هم اقل قامة وحضورا من ابداعية ادونيس، وحتى هذا العام2009 فان منافسة ادونيس من الاسرائيلي عموس والجزائرية اسيا جبار تضع(هبة) هذه الجائزة في موضع التساؤل ايضا...ان الحسبة النقدية التي يمكن قراءتها في المشروع الادونيسي تعطي له الارجحية في التقييم وفي التعريف وفي التأثير ضمن اطار الحوار الثقافي الانساني الذي يتسم بسمات غاية في التعقيد والتشابك والتي ظل ادونيس ومازال احد ابرز الشهود الكونيين عليها والفاعلين الجادين في حراكها الثقافي، ليس لانه صانع اسئلة من الطراز المثير، أو انه الشاعر الذي يفكر بامتياز في اطار لعبته المدهشة شعرا وفكرا وبحثا في روح الاشياء وسريانها المريب حسب، وانما لانه الاكثر استغراقا باتجاه تلمس ماتثيره المعرفة من اسئلة، وماتثيره الحداثة ومابعدها من غواية تضع الرأس الثقافي عند غابة الوجع والريبة دائما، فضلا عن انه الاكثر انشغالا بتأسيس انساق حقيقية للظواهر الثقافية العربية والاسلامية والانسانية خارج اطار ما اقترحته القراءات الاستشراقية التقليدية وخارج اطار التشكلن في ايهامات ثقافة الازمة والمؤامرة والهزيمة التي أسس عليها الكثيرون خطاباتهم في التعاطي مع ثقافة المكان والوجود والعقل وليس ازمة ثقافة هذا الانسان وهويته وحريته ورعبه ازاء اغتراباته وازاء الاخر..ولاشك في ان الخطاب الثقافي الشعري والمعرفي والنقدي عند ادونيس يملك قوته ايضا من خلال تجاوزه ازمة المثقف العصابي او المثقف المكاني النكوصي، باتجاه استحضار فاعلية المثقف الاشكالي الباحث عن حقيقته ووجوده في سياق الصراع الانساني/الحضاري وفي اجندة الحوار الساخن ازاء منعطفات تاريخية افترضتها طبيعة التحولات الكونية واستحقاقات الانتقال من عصر العلوم الى عصر المعلوماتية وانعكاسات ذلك على الثقافة والهوية والوجدان والوجود العربي وحقوق انسانه المغيب بسبب عوامل موضوعية وعوامل داخلية تبدأ من ازمة العقل العربي التقليدي العصابي المتورط بانتاج اشكال معقدة للسلطة والوجود والحكم والحرية والمعيش وانتهاء بازمة العقل الاورو امريكي في تعاطيه مع حقائق الارض وما يتمظهر عليها من معطيات واسئلة.ادونيس نموذج للمثقف المركب، النقدي والتنويري الذي تجاوز لحظته المحلية، وهو و رغم حضوره كروح فاعلة في نصوصه وخطاباته المثيرة للاسئلة دائماً، مع أو ضد!!! الاّ انه اضحى نموذجا للمثقف الشمولي القريب من الكثير من اشكاليات الاسئلة الكونية التي يواجهها الانسان الجديد في بحثه عن الوجود وتحديه أزمات الهوية وغياب الحقوق المدنية ومهيمنات الفقر والظلم الاجتماعي والحروب والاحتلالات وغيرها من الضواغط التي اوجدها العقل الغربي الامريكي ذاته.ان منح جائزة نوبل لايقلل ولا يضيف شيئا لادونيس، واظن ان تاريخ رفض هذه الجائزة كثير، لكن ما يدعو للاسئلة هو الاجحاف واللا موضوعية التي يتم بها تجاوز اكثر الادباء والمفكرين حضورا في عالمنا المعاصر، وربما يعيدنا هذا التجاوز الى السؤال القديم حول النيات والتوجهات السياسية التي تمنح بموجبها جائزة نوبل، والتي تؤكد مرة اخرى نيات الاختيار والقراءة التي تطرح حسابات استباقية في معايير قياسها بعيدا عن وضع القراءة النقدية الفاحصة وتجاوز حسابات (بعض الجهات) التي تجعل من منح هذه الجائزة وكانه اعلان عن موقف ما، او الاشهار بموقف ضد آخر.. مانحو هذا الجائزة الان امام مسؤولية عدم الوقوع في المحظ
أدونيس وتهريب جائزة نوبل
نشر في: 9 أكتوبر, 2009: 04:52 م