* الغرامات والبطالة والإجراءات البيروقراطية الحكومية تعرقل عودتهمتحقيق/إيناس طارق لم تكن تدرك ام مصطفى،في العقد الخامس من عمرها، والموشح جسدها بعباءة سوداء طالتها يد الزمن فأصبحت كالحة وممزقة ،بالرغم من محاولة ترقيع ما استطاعت منها لانها لم تجد عباءة مثيلة لها في أسواق الأردن فهذا النوع من العباءات هي سمة من سمات زي المرأة العراقية
ان المطاف سوف ينتهي بها مفترشة احد أرصفة العاصمة الأردنية عمان،لكي تبيع السكائر وأعواد البخور ببسطة صغيرة، أمام أسواق ومحال مكتظة بآخر موديلات الملابس ومبهرجة بالضوء الباهر، متكئة على احد جدران واجهات محل لبيع الملابس الحديثة، لتجني منها بضع قروش وهي (عملة أردنية).بائعات السكائركانت أم مصطفى تغطي رأسها بقطعة من الكارتون محتمية من أشعة شمس أيلول، وبعد غروب الشمس تعود الى غرفة صغيرة تعلو جدرانها الرطوبة لترمي بجسدها المنهك على فراش قديم. وحيدة ام مصطفى في بلد أجبرت على البقاء فيه دون العودة الى ديارها ما لم تدفع غراماتها المالية المترتبة بذمتها منذ ما يقارب الـ 19 عاما ! لم تكن ام مصطفى راغبة في التحدث بادئ الامر وكانت تطلق اهات وحسرات الفراق على بلدها وأولادها بعد ان طالت مسافات العودة التي أصبحت تقيسها بآلاف الدنانير الأردنية الواجب دفعها كغرامة إقامة غير مشروعة في المملكة الهاشمية الشقيقة.تقول ام مصطفى: جئت الى الأردن وسكنت عمان في عام 1991 بعد غزو النظام السابق دولة الكويت وفرض الحصار الاقتصادي،كانت أوضاعنا الاقتصادية صعبة جدا ويكاد عملنا اليومي في مدينة البصرة، وهي منطقة سكناي، لا يسد رمق العيش ومصاريف أولادي الخمسة، فقررنا الرحيل واللجوء الى عمان لعلنا نستطيع العيش برفاهية وسلام، لكن أزلام النظام السابق قتلوا زوجي وتركوا أولادي مشردين في الشوارع واستطعت الهرب لوحدي، لعلي استطيع توفير المال وإرساله الى أولادي في العراق، ومنذ ذلك الوقت وانا افترش هذا الرصيف ببسطة صغيرة لبيع السكائر ومن النادر ان تجد شخصا أردنياً لا يعرفنا فنحن عدد من النسوة العراقيات اللائي أصبحنا في وضع قيد التوقيف،بمعنى لا نستطيع الخروج من الأراضي الأردنية ولا العودة الى ديارنا بسلام.مسؤول ومساعدة!أم ستار من محافظة البصرة أيضا تجاوزت العقد الخامس من عمرها انضمت الينا وتكلمت عن معاناتها قائلة: لماذا تركتنا الحكومة العراقية حتى الآن على هذه الحالة؟ هل نمثل نحن وجه المرأة العراقية أم وجه العراق؟ نقولها بكل صراحة اننا النساء الوحيدات في عمان اللواتي نبيع السكائر، لماذا لا يدرسون او يناقشون أوضاعنا خصوصا وان أماكننا معروفة لكل من هب ودب،وحتى عندما يأتي مسؤول عراقي يمر علينا مرور الكرام ويقول: سوف نساعدكم. ويرحل ولا نراه !! نحن نسأل: ما العمل اذن؟ هل نبقى بعيدين عن الوطن ؟،وطننا جنة والغربة صعبة،(في الوطن يسأل عليك الجيران والصديق. هنا كل واحد يقول يا روحي).قبل فترة تدهورت حالتي الصحية ما استدعى دخولي المستشفى الخاص، لانهم لا يسمحون للعراقيين المعالجة في المستشفيات الحكومية الأردنية.وقد اضطررت الى الاستدانة واستجداء المال أحياناً من بعض العراقيين. ما نتسلمه من الـ un)) ضئيل جدا مقارنة بأسعار السوق الأردنية، فسعر علبة الدواء الخاص بارتفاع ضغط الدم يصل أحياناً الى 70 ديناراً أردنيا، وما نتقاضه من مساعدات 160 دينارا أردنيا، أحياناً تتوقف لعدة أشهر ولا نعلم السبب ولا نحصل على الإجابة الشافية،ونبقى ندور في حلقة مليئة بالحيرة والتفكير في الأيام القادمة وما تحمله من مفاجآت!حكايات وحكاياتوسط البلد تسمية تطلق على سوق تجاري كبير يشهد زحام المواطنين والسياح من مختلف الجنسيات،خصوصا ان السوق له تفرعات عديدة ويكاد لا يخلو تفرع من تواجد بعض اللاجئين العراقيين الذين حطوا الرحال في عمان منذ عام 1990، لكل عراقي هناك حكاية،وحكاية البعض منها تصلح ان تكون مسلسلاً تلفزيونياً عن معاناة أكثرية العراقيين في العيش والبقاء بسلام، والفات الرأي العام نحوهم بشكل أفضل من خطاب بعض القنوات الفضائية التي تتعامل مع هذا الموضوع بقصدية سلبية للتأثير على العراقيين وتخويفهم من العودة الى وطنهم.رواتب لا تكفييقول مصطفى، وهو في العقد الرابع من عمره من سكنة شارع حيفا يعمل في محل صغير لعمل الأوسمة والأختام، في وسط مدينة عمان الأردنية :اريد العودة الى بغداد لكن كيف وانا لا استطيع دفع الغرامة المتراكمة بحقي للدولة الأردنية وما العمل؟ فمنذ عام 2004 وحتى هذا الوقت يترتب، دفع أجور غرامة تاخيرية عن كل يوم دينار ونصف أردني، وما احصل عليه من أجور عملي اليومي ثلاثة دنانير ادفع منها إيجار غرفة صغيرة وأجور ماء وكهرباء وتوفير طعام لثلاثة أفراد، زوجتي وابنتي وانا.وقدمنا عدة طلبات الى مكتب منظمة الأمم المتحدة من اجل إدراج أسمائنا أسوة ببقية العراقيين اللاجئين هنا للحصول على راتب شهري مقداره 160 دينارا أردنيا، لكن لا نعلم لماذا التأخير ومن السبب والمسبب في
العراقيون في الأردن
نشر في: 9 أكتوبر, 2009: 05:00 م