اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > إيتماتوف وايام القدّاح في الوزيرية

إيتماتوف وايام القدّاح في الوزيرية

نشر في: 10 أكتوبر, 2009: 04:39 م

علي عبد الأمير عجامالى طه عجامأو تذكر..كيف كان كتابه "المعلم الاول" تعويذة حب تتفتح في ايدينا عطرا ولهفة واشواقا، مثلما يتفتح قداح أشجار البرتقال والليمون والنارنج في بيوت الوزيرية؟ أنسيت كيف شهقنا مع "جميلة" رواية تستحق وصف شاعر فرنسا الرقيق آراغون حين قال عنها بعد ان نقلها الى الفرنسية بانها "اعظم قصة حب في العالم"..
ترى هل نسينا "بيت الطلبة الحليين" في الوزيرية أو "بيت الأقراص" الذي جمع قلوبنا وهي تهفو واذهاننا وهي تتطلع وأرواحنا وهي تتفتح،هل نسينا كيف عاش معنا إيتماتوف صديقا أنيسا حمل حكايات قريغيزستان وعوالمها المدهشة ليصبح واحدا منا، فاختلطت ملامحه بصورة عراقيين أحبوا فيه نزعته الانسانية وإعلائه المشاعر فوق كل إعتبار، بل حتى فوق الانتماء الفكري والتوافق مع فكر الدولة السوفياتية الشمولي. اننا لفرط ما  أحببناه وعشنا عوالمه صار واحدا منا، فكيف لا وكتبه "هدايا" اشواقنا الى صديقاتنا، ومصائر أبطاله كانت محاور  نقاشات تمتد الى جلساتنا التي تتسع لتضم حالمين من كليات جامعتي بغداد والمستنصرية، وتنفتح على صخب حيوي يبدأ من آراء في الأدب والسياسة ولا ينتهي برقة تثيرها حكايات النساء وما تستدعيه من أغنيات، وكم كنت أحب لطيف حسن جعفر حين يغني لفيروز "أديش كان في ناس"، مرورا بطرائف تتدفق كأنها تيار صاخب، كان مصدرها صديقنا هيثم الجنابي.بيت مفتوح على المحبة والثقة بالغد، فيه من الأشواق ما يأخذ النفوس الى عوالم قصية، لكنها بقوة الحلم والمعرفة كانت تبدو ممكنة وقريبة جدا. لن أنسى أمسيات نادرة كنت أقضيها في ذلك البيت العجائبي، فمن ولع عباس ديكان (استاذ الادب الانجليزي في جامعة بابل اليوم) بالشاعرين شيللي وبايرون تكوّن عنده من خلال دراسته الأدب الانجليزي، الى صرامة علمية كان ينصرف اليها ظافر عبد الله وهو يدرس الجيولوجي في كلية العلوم، فيما شقيقه ثامر كان أقرب الى فوضى بوهيمية تبدو منسجمة مع كونه دارسا للفنون الجميلة. وعلى ذكر الفوضى وإن جاءت في إطار من "حكمة" كان حضور صديقنا الدارس للعلوم ناجح، فهو كان رغم دراسته الصارمة الا انه كان يقابل اشتراطاتها بان يدعها جانبا متفرغا الى وعي للفكرالسياسي لم نكن نقاربه كثيرا نحن المأخذين كثيرا بالادب والفنون.هل ننسى كل ذلك التوق؟ هل ننسى أمسيات المركز الثقافي السوفياتي واسابيع الافلام المدهشة: خذ فيلم "الحرية تلك الكلمة الحلوة" مثلا وما تركه فينا، خذ فيلم اندريه فايدا في اسبوع الفيلم البولوني، و لاتنس سحر الكتاب، فكم من دهشات اسطورية حملتها الينا وكونت ارواحنا كتب مثل "مجنون الزا" او "مذكرات نيرودا: اشهد انني قد عشت" أو روايات غائب طعمة فرمان والاضاءات النقدية العميقة لها التي كانت تنبثق من رؤية صديقنا المشترك قاسم عبد الامير عجام. أقول صديقنا فهو كذلك قبل ان يكون أخي وخالك!هل يمكننا رغم فرط الرمل والغبار اللذين علقا بارواحنا من خنادق الحروب ان ننسى عطر القداح المنبثق من حدائق البيوت في الوزيرية؟ هل يمكننا نسيان المواعيد النسائية الاولى وضجيج الحلوات المتجمعات قرب بوتيك مصطفى العاني؟ هل يمكن ان ننسى طراوة غابات من السيقان التي تتفنن بنات تلك الايام في اظهارها والتنافس على من تكون اكثر جرأة في ارتداء تنورات يقل قماشها ويكثر جمال ما تكشف عنه؟ ثم وقبل كل هذا هل يمكن نسيان ذلك الشعور العميق بالجدوى؟ حيث التطلع الى الحرية منسجم بقوة مع تدفق لا ينتهي من المعرفة، وحيث الاخلاص للعلم والفكر ولكن في اطار من الانفتاح الاجتماعي والثقة في النفس، والميل الى التجديد. الآن يا صديقي الذي اكتشفت معه المباهج الاولى، وحروف الشعر الاولى، والبكاء على الامام الحسين للمرة الاولى، واستنشاق رائحة التراب المرشوش بالماء للتو في المقاهي المتوزعة على الطريق المؤدية الى مرقد اولاد مسلم بي عقيل في اطراف مدينتا الاولى: المسيب. أتذكر اجمل رحلاتنا التي كانت من المسيب الى الحلة، وبالذات حين نجتمع مع افراد بيتكم ونركب الباص الحكومي الجميل من نوع مرسيدس الاحمر اللون وكانت محطته امام " الحسينية" ليقف في الشارع اجمل من باقي السيارات. وكنت انا وأياك نختار مقعدا مشتركا لنتحدث بمرح عن كل ما نشاهده في الطريق، وكل ما نبرع في تسجيله من ملاحظات اغلبها ساخر تهكمي من هيئة الفلاحين المتربة في المناطق التي يمر فيها الباص كالاسكندرية والحصوة والمحاويل وصولا الى مدخل الحلة الانيق بشارعه الواسع وبيوته الزاهية بحدائقها حيث " حي بابل" والنافورة التي تندفع المياه من افواه تماثيل بيضاء لاطفال في حركات جميلة.في الحلة كانت الحياة اغنى واجمل وازهى مما كانت في المسيب، ومع وجودك كان ينضم الينا ابن شقيقتي الكبرى ياسين، ومعا كنا ثلاثيا نقضي اوقاتا طيبة في اكتشاف مسرات بسيطة، ابرزها كان اكتشاف رجولتنا مع ميلنا المتزايد لاغنيات عبد الحليم حافظ، وحرصنا على السفر الى بغداد في الاعياد، ودخول صالات السينما والتعرف شيئا فشيئا الى عالم النساء بعيدا عن هالات الحرام التي احاطتنا بها انماط تربية دينية متشددة  ظلت، مع استثناء بيتنا قليلا، ترى في الراديو

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram