حازم مبيضين لا شك بأن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، سيفوز بفترة رئاسية جديدة في الانتخابات التي تجري بعد أيام، ليس لأنه المترشح الوحيد، ولا لكونه محبوباً ومقبولاً من شعبه، وإنما لأن الأمر الواقع يفرض ذلك، فالرجل الذي أنزل الحبيب بورقيبة عن عرشه،
ووعد بالتجديد والتغيير، وبأنه لن يترشح أكثر من مرتين وفقاً للدستور، عاد عن ذلك بعد أن استمرأ الجلوس على كرسي السلطة، ومن حوله مجموعة من المنتفعين تزين له المكوث في القصر الجمهوري بقرطاج حتى آخر نفس من عمره المديد، وقد نسي الوفاء بتعهده بإلغاء الرئاسة مدى الحياة الذي أسس عليه شرعية انقلابه على بورقيبة، والمؤكد أن بسطاء الشعب التونسي قد نسوا ذلك، منذ أعلنه بن علي، وهو يزيح تمثال بورقيبة من الشارع الرئيسي في العاصمة، ويحل محل ذلك ساعة، اعتقدنا أنها إشارة إلى التجدد، ومحاولة لافهام الناس أن الزمن لايتوقف عند زعيم بعينه، لكن عقارب الساعة كما يبدو توقفت عن الدوران عند حقبة بن علي. إنتخاب بن علي مجدداً لايعني أنه يتمتع بالشعبية، ولايعني أن برنامجه الانتخابي يحظى بالرضى، فالسنوات الطوال من حكمه تميزت بتزايد اعداد العاطلين عن العمل، كما أن القبضة الامنية المشددة ضيقت على الناشطين السياسيين، وتفشى الفساد في أوساط الطبقة الحاكمة، واستناداً إلى هذا فان الإستحقاق الإنتخابي الرئاسي، لن يتجاوز اللعبة الهادفة لإيهام الناس بالديمقراطية، وتسويق النظام الحاكم لدى ديمقراطيات العالم الغربي، لضمان تأييدها في استمراره والحفاظ على مصالحه.تميزت حقبة حكم بن علي بالجمود السياسي، فتجمد معها النشاط الحزبي، وتكلست حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وانسحبت قيادات من الحزب الديمقراطي التقدمي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، ولم يختلف وضع المنظات والجمعيات الحقوقية والنسائية والشبابية والهيئات النقابية والمهنية عن وضع الأحزاب، ونجحت السلطة في تهميش دور الاتحاد العام التونسي للشغل، وحظر نشاط الاتحاد العام التونسي للطلبة، ومنعت السلطة أقدم رابطة لحقوق الإنسان في العالم العربي من عقد مؤتمرها، واستمرت بملاحقة نشطاء حقوق الإنسان، وأطاحت بجمعية القضاة والمكتب التنفيذي المنتخب لنقابة الصحفيين، وأفرغت الساحة الثقافية من كل مضمون. لاشك أن المعارضة التونسية تواجه مأزقاً ناجماً عن عجزها عن تقديم البديل، بسبب تشتتها، والمؤكد أنه لم يعد أمامها غير العمل على توحيد الجهود، والسعي لتحقيق التفاف شعبي حولها، يحولها إلى قوة يحسب حسابها، ويخرجها من دائرة التبعية، ويعطيها دوراً أكبر من دورها الذيلي الحالي، القابل بمكاسب هامشية يمكن سحبها في كل وقت، وعليها الصمود على مطلب الإصلاح السياسي الذي يجب أن يظل هدفها الرئيس، خاصة وهي تدرك أن الجمود السياسي يهدد الاستقرار الاجتماعي، وسيفضي إلى عنف أعمى، في حال أصرت السلطة على اتباع نفس السياسات، وصمت آذانها عن دعوات الإصلاح المتكررة، وآثرت عدم الاستفادة من تجارب الآخرين، وأصرت على اللجوء للمعالجة الأمنية للملفات السياسية، التي تحتاج إلى معالجة من نوع آخر، يستهدف الحفاظ على السلم الاجتماعي، ويوظف كل القدرات من أجل مستقبل تونس التي نأمل أن تظل خضراء.
خارج الحدود: الرئيس بن علي في طبعته الخامسة
نشر في: 11 أكتوبر, 2009: 07:21 م