اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > اوراق:طقس الكاتب

اوراق:طقس الكاتب

نشر في: 13 أكتوبر, 2009: 06:22 م

محمود عبد الوهاب ينفي عدد من الكتّاب أن تكون لهم طقوس وعادات معيّنة يخضعون لها ساعة الكتابة، ويفوتهم أنّ تحررهم من تلك الطقوس والعادات  ، ما هي إلاّ طقوس وعادات أيضاً لكنّها مغايرة في الأنماط ، فالتزام طقس ما أو التحرر منه كلاهما اشتراط مُلزم لصاحبه ساعة الأداء ،
ومهما اختلف طقس الكتابة في شدّته أو تحرره فلابدّ من حافز يستغرق ذات الكاتب /المبدع يحمله على عزلة " مكانية "  أو " نفسية " تتمثل بها ذاته بوحاً في جسد نص يكتبه . تُصوّر الدراسات المتخصصة بالإبداع  الكاتب ،  وهو يهيئ أوراقه وأقلامـه وأدواته ، مثل الطفل الذي يهيئ ألعابه ليختلي بها ساعة لهوهِ ، وترى تلك الدراسات أيضاً أن ما يبدو من انشغال الكاتب وهو يتهيأ للكتابة ، ويتنقّل بحركاته من سدل ستارة نافذة غرفته أو فتحها أو ترتيب بعض أوراقه على المنضدة ، أو تعديل وضع كرسيّه ، ما هي ، في حقيقتها ،  إلاّ إحدى حيل اللاشعور حيـن لم يُمسك الكاتب بعد  بدايــةً مُرضيَة لاستهلال نصه . وعلى الرغم من مقولة " موت المؤلف " التي تؤكد دراسة النصوص بمعزل عن حياة كتّابها ، فإن عدداً كبيراً من الكتب المكرّسة للحوار مع الكتّاب والمبدعين تتضمن أسئلةً حول الأجواء والطقوس المفضّلة لديهم ساعة الكتابة ما يدل على أهمية معرفة طقس  الكتابة عندهم ، ومن تلـــك الكــتب المهمة فـــي هذا الحقل كتاب WRITERS AT WORK الذي جمع حوار صحفيي (باريس ريفيو ) مع أولئك المبدعين ، والذي أصدرته مؤسسة MERCURY BOOKS   في لندن  عام 1962 وترجمه إلى العربية كاظم سعد الدين عام 1986 ، وكذلــك كتاب فـؤاد دوّارة بعنوان ( هكذا كتبوا ) الصادر عن الدار المصرية للتأليف والترجمة عام 1966 وكتب أُخر تناولت الموضوع نفسه ، وإن دراسات سوسيوثقافية وسيكولوجية اتخذت من حياة الكاتب نَوْلاً تلتفّ حوله خيوط حياته تفسيراً وتأويلاً عبر التأثير والتأثّر، يكون فيها طقس الكاتب عنصرَ الدراسة وإضاءةً معرفيةً لكينونة النص  ونشأته ، لا في مخيلة الكاتب/ المبدع وحدها ، بل تحت سطوة طقوس الكتابة أيضاً . كما ويأتي مصطلح " قصّ القصّ " الذي جاء به " توماشفسكي " تعبيراَ عن طقس الكاتب وهو يعرض الجوّ الذي تولّدَ فيه النص وكان سبباً وحافزاً إلى كتابته ، فـ ( ألبرتومورافيا ) مثلاً حين يسترجع روايته " إمرأة من روما " إنما يعرض أحد طقوسه في كتابتها حينما يقول إن ( امرأة من روما )   لا علاقة لها بحياة المرأة التي التقاها في روما ،  وإنه كتبَ الرواية بعد عشر سنوات من ذلك اللقاء ، ويقول( مورافيا )  أيضاً  : حينما يبدأ الكتابة ويجلس إلى طاولته يجهل  ماذا سيكتب ، وكيف ستكون روايته ، ويبقى أحياناً بانتظار " الإلهام "  الذي يعتقد بمجيئه  ليبدأ عمله الذي يستغرق أربع ساعات يومياً من كل صباح ، وعلى العكس من مورافيا فإن للروائي الكبير نجيب محفوظ نظاماً صارماً للكتابة ، فهو يقضي ساعات منتظمة كلّ يوم في الكتابة ، ويُعدّ قبل كتابة رواياته في " الثلاثية " مثلاً ملفات خاصة بشخصياتها يرجع إليها كلّما استدعت الضرورة ذلك . كتابة ماركيز وبورخس ويوسَا ونجيب محفوظ وطه حسين وتوفيق الحكيم وآخرين سيَر حياتهم  إنما هي إضاءة للجانب الذي يجهله القارئ  من طقوسهم وعاداتهم في الكتابة.كتابة السيرة والمذكرات والاعترافات هي ، في جوهرها ، بوح بالعوامل والأسباب والحوافز التي جعلت من هؤلاء الكتاب  الكبار أعلاماً في الحياة الثقافية ، وغالباً ما تتضمن تلك المؤلفات عادات الكتابة وطقوسها. أتذكر هنا أستاذنا الكبير علي جواد الطاهر في إحدى زياراتي له ، إذْ كان يكتب على طاولة صغيرة وخلفه منضدة أنيقة تغري بالكتابة ، وكان الصديق الروائي مهدي عيسى الصقر يفضّل الكتابة في المطبخ الأنيق وسط أدوات المطبخ وقرقعة القدور . قال لي الصديق القاص محمد خضير  حينما سألته عن الكيفية التي يكتب فيها: إنّه لا يُلزم نفسه بزمن معين ساعة الكتابة ، لكنه غالبا ما يلتزم بالمكان الذي يفضّله وهو بيته ، وربما غرفته الخاصة. لستُ هنا داعياً إلى قراءة النصوص في ضوء حياة كاتبيها ،  فالنص ينبغي أن يُقرأ  بمعزل عن سيرة صاحبه ، لكنني أرى أنّ تلك الطقوس إذا ما كتبت ، فهي نص آخر يخضع إلى الدرس السوسيوثقافي أو النقد الثقافي ذاته الذي يُعنى بموضوعة الثقافة وطرائق إنتاجها عبر حافزها الضمني : طقس الكاتب .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طقس العراق.. أجواء صحوة وانخفاض في دراجات الحرارة

أسعار صرف الدولار تستقر في بغداد

تنفيذ أوامر قبض بحق موظفين في كهرباء واسط لاختلاسهما مبالغ مالية

إطلاق تطبيق إلكتروني لمتقاعدي العراق

"في 24 ساعة".. حملة كامالا هاريس تجمع 81 مليون دولار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram