اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > أمين الريحاني.. والدعوة إلى حوار الأديانِ والثقافات

أمين الريحاني.. والدعوة إلى حوار الأديانِ والثقافات

نشر في: 16 أكتوبر, 2009: 04:07 م

على الرّغمِ من أن أمين الريحاني (1867-1940) تناول بما تميّزَ به من تنوُّعِ مواهبه بالبحثِ والتعليق مواضيع مختلفة ومتعدِّدة، وتقصّى في بعضِ الأحيان ما استعصى وانغلق من الأمور، فإنَّ الموضوعين اللذين استحوذا على اهتمامه وسيطرا على تصوّره وخياله كانا الدّين والحرّية.
 فهذان الموضوعان يُطلاّن بوضوح بارز جدّا من كلّ أعماله باللغتين العربيّة والإنجليزيّة، سواءٌ أكانت كتبًا أم مقالاتٍ أم شعرًا. وقد اتّخذ الريحاني أستاذًا له من أبي العلاء المعرّي الذي ربّما كان أشعر شُعراء العرب قاطبةً عبر التاريخ. وكان المعرّي نفسه من بين الذين استحوذ على اهتمامهم موضوعا غاية الحرّية، وحقيقة الدّين. وقد اخترت أن أركّز اهتمامي في هذه الدراسة على أحد هذين الموضوعين، ألا وهو الدين، غير متناس مسألة حريّة الضمير. فقد لا يكون هناك اليوم أنسب من هذين الموضوعين وأجدر بالبحث والتمحيص. وأنني أستذكر بهذه المناسبة قول الشخصيّة البريطانية العالمية والمؤرّخ الكبير اللورد أكتون Lord Acton (1834-1902): وليس المسرّات والرفاهية، ولا المعرفة أو السلطة. ومع ذلك فطريقهما ملطّخٌ بالدماء ولا نهاية له. لقد وصف الأديب الإنجليزي و. هـ. أودن H. W. Auden (1907-1973) باكورة القرن العشرين في شعره الخالد بأنّها فترةٌ تاريخيّة تميّزت بأنّها "عصر القلق"؛ إذ كانت عهد ثورات عارمة وحروب عالميّة، واقتصاد متقلّب غير مستقرّ، والتقاءات مفاجئة بين الشعوب والثقافات التي ظلّت حتّى ذلك الحين معزولة بعضها عن بعض إلى حدّ كبير. ففي غمضة عين، اجتاح انهيار الممالك والخلافات وانتهاء اعتماد الإمبراطوريّات على الاستعمار أسس الحياة ونسقها المنتظمين على هذا الكوكب. فأدّى ذلك بدوره إلى شعور بالغربة واليأس والقلق وعدم الاستقرار، وخلق أزمةٌ روحيّة عمّت بتأثيرها كل بقاع الأرض. وكتب الأديب جاكوب آيزاكس Jacob Isaacs في كتابه الصادر في عام 1951 بعنوان "تقييم لأدب القرن العشرين" ما يلييُعرف أيّ عصر من العصور بألفاظ وبعيارات خاصة شائعة الاستعمال والتداول، سواء أكانت تلك العبارات والألفاظ تمثل تجسيدًا حقيقيّا لذلك الزمن أم تُعبّر عن مجرّد علة من نسج الخيال. فقد اهتمّ القرن السابع عشر، مثلاً، بكلمة "العقلانيّة"، والقرن الثامن عشر بكلمة "الطبيعة"، أمّا اهتمامنا في القرن العشرين فقد تلخّص في عبارة واحدة هي "المازق الإنسانيّ". فنمت هذه العبارة عمّا يشغل بالنا وما يتكرر في حديثنا عن الإحباط والارتباك والتفسخ وسوء التكيّف، إضافة إلى عمق ما تحس به من مشاعر القسوة والعنف والسّادية، وما يسودنا من مشاعر الحيرة والقلق؛ وفي خلفية كل ذلك الشعور بالذنب والخطيئة والمهانة واليأس، وليس الإيمانُ والأمل والمحبّة أبدًا. وما كان هذا الانشغال بفكرة "المأزق الإنسانيّ" إلا عاملا أساسيّا في نشر مرضٍ أصاب الروح والنفس في آن معًا وظهرت أعراضه واضحةً في ما أصاب المجتمع الإنساني من الحيرة والقلق النفسيّ وولد شعورًا عميقا بانعدام الطمأنينة والسلام. حتى المجتمعات القديمة التي لم تمرّ بتجارب التكنولوجيا والتصنيع المؤلمة لم تسلم من هذه الظواهر التي مثلت حوار الإنسانية مع الحداثة والتطوّر.2 برزت في غمرة هذه الأحوال والظروف المضطربة مجموعة مرموقةٌ من المهاجرين العرب إلى الولايات المتّحدة، بعضهم من السوريين، وغالبيّتهم من اللبنانيين، الذين فرضوا تأثيرهم القويّ على النهضة الثقافيّة العربيّة، وعلى التقارب الديني، وعلاقة التبادل الثقافي بين الغرب والعالم العربيّ. وكان أعضاء هذا الفريق من الأدباء والكتّاب والشعراء والفلاسفة الذي ضمَّ أمين الريحاني وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة بمنزله السُّفراء الثقافيين بين الشرق والغرب في فترة تاريخيّة هامّة، وذلك عندما كانت موجة التحديث والعولمة تجتاحُ العالم العربي نتيجةَ اكتشاف تروته النفطيّة الجديدة، وفي الوقت الذي كانت تبرزُ فيه أميركا كعملاقٍ للنشاط الاقتصاديّ والتقدّم الماديّ. واتخذ الريحاني، وغيره في رهطِه، من حدة أقلامهم ورؤيتهم الشاعريّة مصدر وحي استشفّوا منه بوضوح ثاقب طبيعة التحدّيات الروحيّة التي تجابه أميركا والعالم العربيّ على حدّ سواء. من أهمّ المواضيع التي يبدو أنها كانت مصدر وحي لفكر أمين الريحاني الوئام بين أديان العالم. فخاض في بحث هذا الموضوع مرّة بعد أخرى، وكرّره في أعماله كما في قصيدته "أنشودة الصوفيين،" ومقالاته في كتاب "جادّةُ الرؤية،" ورائعته "كتاب خالد"، وغير ذلك من مقالاته ومحاضراته عن "التطرّف" و"التساهل الدينيّ" و"إصلاح الأمّة"، وخطابه في حفل التخريج بكلّيّة عالية الوطنيّة في عام 1922. وكان من النتائج الملازمة لمبدإ الوحدة والانسجام بين الأديان النظرة المتعمّقة التي طالما عبّر عنها الريحاني، وهي أن أي فرقة أو صراع بين الأديان إنّما هما حصيلة الفساد أو فقدان التفاهم بين قادة ورؤساء المؤسّسات الدينية النظاميّة الرسميّة. وها هو الريحاني يتوجّه بالدّعاء "إلى الله"، على لسان بطله خالد في

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram