TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > قلب العراق..بين الشبيبي والريحاني

قلب العراق..بين الشبيبي والريحاني

نشر في: 16 أكتوبر, 2009: 04:10 م

بدرخان السنديفي ومضة كنت ارحل بذاكرتي الى الوراء، الى اواسط الستينيات اذ رحل الشبيبي الى جوار ربه ونحن طلبة على مقاعد الدراسة في جامعة بغداد، والحق اقول لم نكن نحن الطلبة لاسيما في قسمنا (علم النفس) قد امتلكنا تصورا واضحا عن الاستاذ الكبير الشبيبي فقد ابعدنا اختصاصنا انذاك عن تعرف الكثير من الشخصيات السياسية والثقافية في البلد ممن صنعوا تاريخه الحديث، لكن معرفتنا بالراحل الشبيبي بدأت بعد رحيله مباشرة!!
فوجئنا بالاستاذ خالد الهاشمي الذي كان رئيسا لجامعة بغداد ويدرسنا في ذات الوقت احدى مواد اختصاصنا، اقول فوجئنا به يدخل المحاضرة في صباح احد الايام الدراسية. لم يجلس لكنه وقف الى جانب المنصة وبعد مدة صمت غير معهودة قال.. لقد رحل الشبيبي.. واستغربنا من عبارة استاذنا الجليل خالد الهاشمي اذ لا صلة بين هذه العبارة وما كنا نتوقعه من موضوع المحاضرة.. وبدت كلمات الهاشمي تنطلق مختنقة من فمه وهو يحدثنا عن الراحل الشبيبي ومآثره الوطنية وتفاعله مع اوجاع شعبه وسمو مكانته العلمية والأدبية ورجاحة عقله ووعيه التربوي ورحلته الشاقة العسيرة في تعاريج تاريخ العراق. كان رثاء رائعا ونحن امام موقف ينأى بنا عما درجنا عليه في المحاضرات التقليدية، كنا نطالع وجه استاذنا الهاشمي الذي كان يشجب تارة ويحتقن تارة اخرى تبعا لعباراته التي كانت تحمل ذكرياته مع الشبيبي الراحل معرفا ايانا بدور هذا الرجل المفضال وببصماته على صفحات النهوض العراقي مؤكدا على الجانب الانساني والتربوي في شخصيته. لقد جعلنا الاستاذ الهاشمي نحزن حقا على رجل لم نكن قد عرفناه الا بعد مماته فاندفع بعضنا يقرأ عنه ويستزيد، واندفع بعضنا الآخر الى الحفل التأبيني الذي اقيم على روح الفقيد.. ثم بدأنا نتعرف هذا الراحل الوقور شيئا فشيئا، واذكر بعد عام من رحيله استوقفتني مقدمة كان قد كتبها الاستاذ الشبيبي لكتاب (قلب العراق) للاستاذ الاديب امين الريحاني، وكانت بداية التعرف بقلمه ولقد أثرت تلك المقدمة في نفسي واسعدتني..اعود بك قارئي الكريم من حيث بدأت لأقول ان خبر الاحتفال بالذكرى المئوية لمولد الفقيد الشبيبي جعلني اعود لكتاب امين الريحاني (قلب العراق) لاقرأ تلك المقدمة. لا بل الكتاب برمته من جديد وعشت اجواء مضى عليها زمن طويل ولولا مسحة الألم التي تذكرني بما مضى دوما لخلت ان ما مضى كان بالأمس لا بل قبل لحظة، ولست ادري ما اذا كنت قد استرجعت تلك الاجواء ام هي التي استرجعتني وانا قرأ ثانية في كتاب كنت قد قرأته قبل اكثر من عقدين.؟لقد زار الريحاني العراق عام 1922 وز ار مدينة النجف زيارة خاطفة والتقى الاستاذ الشبيبي هناك، والح رحمه الله على الريحاني ان يمكث لمدة اطول لكن يبدو ان الضيف كان في عجل وبالرغم من قصر اللقاء فقد تعمقت بينهما علاقة حميمة مطبوعة بالاعجاب، هذا الاعجاب الذي يمكن ان نستشفه من مقدمة الشبيبي لكتاب الريحاني ومن انطباعات الريحاني عن الشبيبي في متن الكتاب بالرغم من عدم تطابق كل الآراء بينهما اذ يمكن للقارئ ان يقف على بعض اشكال التناقض او عدم الاتفاق في بعض المشارب ومسالك الحياة بين الرجلين. لقد كتبت صحف بغداد في ذلك الزمان في خريف عام 1922 عن هذه الزيارة فأولت هذا اللقاء اهتمامها وذكرت ان الشبيبي اهدى الريحاني مخطوطا ثمينا وقديما جدا وهو (كتاب المثالب لابن الكلبي) الذي يعد من نوادر المخطوطات العربية، وقد ذكر الريحاني هذه الهدية في وصفه لرحلته الى العراق وهذا ما سنأتي عليه من بعد. يعرفنا الشيخ محمد رضا الشبيبي في مطلع مقدمته عن كتاب الريحاني بطبيعة هذا الكتاب ودوافع كتابته لهذه المقدمة فيصف الريحاني بفقيد الادب والفلسفة الذي وضع هذا الكتاب بعد عودته الى الشرق من دار هجرته في امريكا ثم يصف الكتاب قائلا ان (قلب العراق) من امتع كتب الريحاني اذ يتناول دراسة لاوجه النهضة العراقية في العقد الثالث من القرن العشرين ويتضمن آراء خاصة للمؤلف. وتتوهج كلمات الشبيبي بروح وطنية متوقدة وهو يصف الانكليز بالمحتلين لكتاب يطبع من جديد في وقت كان الانكليز يتحكمون فيه في العراق وثروته بشكل غير مباشر تحت ستار العراق المستقل فالمقدمة كتبت لطبعة عام 1957 من هذا الكتاب. ونلحظ من مقدمة الشبيبي تعاطفه مع بعض آراء الريحاني في الثورة اذ يصف كيف استقبل الريحاني استقبالا شائقا في العراق لأن ابناء العراق وادباء العراق وجدوا فيه ثائرا على كل شيء..ثائرا على المجتمع الشرقي الذي نشأ فيه وثائرا على المجتمع الغربي الذي هاجر اليه، ويقتنص الاستاذ الشبيبي احدى عبارات الريحاني في وصفه لبغداد فيدونها نصا في مقدمته اذ يقول الريحاني عن بغداد قبل ما يقرب من ستين عاما: (هي الحوقلة والاستسلام وهي الشغب والتمرد وهي الورع والتقوى وهي في هذا الزمان النفط، وقد يصير النفط في المستقبل روحها الكيمياوية العظمى، روحها المركبة في بوتقمة هذا الزمان البراق). ويثني الشبيبي على فراسة الريحاني اذ اصبح النفط لا روح بغداد وحسب بل روح كثير من الاقطار العربية فقد قال عبارته في وقت لم يكن فيه نفط كركوك والبصرة والكويت والصحراء العربية قد استثمر بعد. ويؤكد الشبيبي مسألة اثقلت كاهل الريحاني وهي تهافت الشرقيين على مظاهر الحضارة الغربية لا بل مساوئها ودور الاستعمار في تحفيز هذه الظاهرة التي لا تنجب غير الرذيلة والفساد ثم يعرج على دور الاستعمار في شق الصف بمؤثرات عنص

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram