محمود شبيبفي عام 1872 عين (مدحت باشا) الذي كان واليا على (بلغاريا) ثم (بغداد) حيث اجرى اصلاحات كثيرة، بمنصب الصدر الاعظم (رئيس الوزراء) في عهد السلطان عبدالعزيز ولم يلبث ان قاد ثورة عام 1876 ادت الى مجيء مراد الخامس للسلطنة ولم يلبث مدحت باشا ان اسقطه بعد اشهر قلائل من ارتقائه العرش لاصابته بلوثة عقلية لمصلحة شقيقه عبدالحميد الثاني (1842- 1918)..
بعد ذلك استطاع الصدر الاعظم اقناع السلطان الجديد على منح اول دستور في التاريخ التركي ولكن عبدالحميد اقاله بعد ان ثبت اقدامه على العرش واقاله ثم ارسل به الى اعماق السجن بتهمة قتله السلطان عبدالعزيز ولم يلبث مدحت ان مات في السجن مخنوقا وذلك عام 1884..سلطة مطلقة*ولم يلبث عبدالحميد ان منح نفسه سلطة مطلقة باعتراف سائر المصادر التاريخية فكثرت العيون وانتشرت السجون واضطهد الخصوم بدون رحمة مما جعله موضعا للنقمة التي عمت سائر ارجاء الامبراطورية الممتدة من (البلقان) غربا حتى (الخليج العربي) غربا ومن (الاناضول) شمالا الى تخوم (اليمن) جنوبا.ترى ماذا كان عليه وضع الامبراطورية مع حلول عام 1908 شبه الحاسم؟ كانت الدولة التي تحمل بحق اسم رجل اوربا المريض تعاني التفكك ولم يحل دون انهيارها من التفكك سوى عدم اتفاق الدول الاوربية الاستمعارية (روسيا القيصرية، وفرنسا، وايطاليا، والمانيا، وبريطانيا) فظلت على قيد الحياة عشر سنوات فقط قبل انهيارها التام والنهائي عام 1918، نتيجة لخسارتها الحرب العالمية الاولى التي نشبت عام 1914 وتحالفها مع المانيا وما اطلق عليها اسم دول الوسط الاوربية التي خرجت مغلوبة بدورها.ثورات واطماع*وعلى اية حال فان هذا الواقع لم يحل دون استيلاء فرنسا على الجزائر ومراكش الجنوبية واسبانيا على مراكش الشمالية وامتداد سيطرة الاولى الى تونس وفي ذات الوقت استحوذت بريطانيا على وادي النيل وان كانت السيادة العثمانية فيه اسمية و(عدن) وحضرموت وعمان ووضعت الخطط للمزيد من التوسع في الشرق العربي خاصة (العراق) في الوقت المناسب.وكانت (ايطاليا) في غضون ذلك قد اخذت بالتعبير عن اطماعها بدورها فهاجمت اقليم (ارتيريا) وضمته الى املاكها واستعدت لغزو (ليبيا) ولم تحاول اخفاء نواياها عن احد اذ كان ذلك حديث الصحافة الايطالية علنا وفي ذات الوقت نشبت ثورات في اليونان التي حصلت على استقلالها شطرها الشمالي بينما ظل الجنوبي عثمانيا مدة من الزمن.الاوضاع الداخلية*هذا على النطاق الخارجي اما في الداخل فان الاوضاع وصلت من التدهور حدا لم يسبق له مثيل فالفقر والبؤس هما السمة العامة لجماهير الشعب وانتشرت المحسوبية والمنسوبية والرشوة الى درجة كان بامكان اي شخص يمتلك المال اللازم ان يشتري منصب الوالي الشاغر في اية مقاطعة مع اطلاق يده للسلب والنهب بالشكل الذي يريد ولكن على اساس تزويد الخزانة في (اسطنبول) بالحصة المقررة سنويا منع ارسال الهدايا المناسبة لرجال الدولة كبارهم وصغارهم!.وكانت العاصمة تعج بالجواسيس من كل نوع خاصة اليهود، ولايمر يوم واحد دون تدبير مؤامرات واحداث فتن واضطرابات ليس في الولايات البعيدة فحسب بل حتى في اسطنبول ذاتها وفي هذا الجو تالفت جمعية (الاتحاد والترقي) التي ضمت عددا من كبار العسكريين والمدنيين ابرزهم (انور) و (جمال السفاح)،، و(طلعت).ارغام*واعلن الاتحاديون عددا كبيرا من الاهداف كان ابرزها مايلي:اولا: القضاء على الحكم المطلق.ثانيا: انقاذ تركيا مما وصلت اليه من حال وتحويلها الى دولة حديثة على غرار ماوصلت اليه الدول الاوربية المتقدمة.ثالثا: اصدار دستور على النمط الاوربي يطلق عليه اسم (المشروطية) يهدف الى تقييد صلاحيات السلطان وايجاد هيئة برلمانية لقبت بالمبعوثان وتضم ممثلين عن جميع ولايات الامبراطورية يتم اختيارهم من جانب السلطة المركزية بالاتفاق مع الولاة وهم في الغالب من الامراء والوجهاء وضباط الجيش المتقاعدين اذ كان من المستحيل في تلك الايام اجراء انتخابات من اي نوع لاتساع رقعة الدولة وتخلف وسائط النقل اذ كان الناس اذا ارادوا السفر الى العاصمة عليهم اما استخدام القوافل المؤلفة من الحمير والبغال او السفن العتيقة البالية من الولايات التي تقع على البحرين الاحمر والمتوسط، وكان الوصول الى هدفهم، في الحالتين، يستغرق عدة اسابيع!.في شهر آب 1908 استطاع (الاتحاديون) تنظيم مظاهرة عسكرية في اسطنبول واقتحم قادتهم قصر يلدز الشهير حيث يقيم السلاطين ومنهم عبدالحميد، وهددوه بالخلع عن العرش اذا لم يستجب لدعوتهم بتأليف حكومة جديدة تأخذ على عاتقها تنفيذ مهمة وضع الدستور المطلوب للبلاد وتشكيل المبعوثان تمهيدا لتحقيق الاهداف التي ادرجت في دستور الجمعية، فوعدهم بذلك.البغدادي!*وعلى اية حال فان السلطان اعلن عن الدستور المطلوب، بيد انه تلكأ في تأسيس المبعوثان ولم تمر سوى اسابيع حتى شعر الاتحاديون انه يريد التملص من وعوده وانه يقوم بالتعاون مع باقي قادة الجيش والشرطة السرية بتدبير خطة للقضاء عليهم قضاء مبرما كما سبق له ان فعل مع الكثير من خصومه طوال فترة وجوده في دست الحكم.وهنا اعد اقطاب الاتحاد والترقي خطتهم الخاصة للقيام بانقلاب ضد عبدالحميد بكل براعة واتقان، وقد استفادوا في ذلك من وجود الفريق محمود شوكت باشا الملقب بـ(البغدادي) على رأس الفيلق الثالث ومقره في مدينة (سالونيك
اسرار تاريخية..البغدادي الذي قاد انقلابا في اسطنبول!
نشر في: 18 أكتوبر, 2009: 05:47 م