فريدة النقاشرحل الصحفي والكاتب »محمد السيد سعيد« عن عالمنا وهو في أوج ازدهاره الفكري وقمة عطائه، بعد أن أثرى حياتنا الثقافية والنضالية بإسهامات لا تنسى فقد شارك مبكرا جدا في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي في تأسيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان التي شهدت في ظل قيادته لها أغنى وأعمق إنجازاتها،
وكان أن عاقبه الأمن عقابا قاسيا بعد أن أيدت المنظمة إضراب عمال الحديد والصلب الذي قتلت فيه الشرطة العامل محمد عبدالحي عام 1989، وجرى حينها إلقاء القبض على »محمد السيد سعيد« مع آخرين بتهمة التحريض، وتعرض لتعذيب وحشي في المعتقل. وتواصل إسهامه في إغناء حركة حقوق الإنسان ومنظماتها في مصر وتأسيس أدبياتها ونسج علاقاتها الوثيقة مع حركة حقوق الإنسان العالمية، التي عاونت الحركة المصرية وشكلت حماية لها من البطش وأجبرت الحكم في هذا السياق على إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي يسعى الآن ليكون مجلسا قوميا بحق ومستقلا عن الحكومة ليتجاوز الحدود التي وضعتها له كديكور.قليلون من أبناء جيل »محمد السيد سعيد« الذين ترعرعوا في أحضان الحركة الطلابية والحركة الشيوعية في سبعينيات القرن الماضي هم الذين اشتغلوا بالصحافة والفكر معا، وحافظوا مع ذلك على المستوى الرفيع في الحالتين وهو أستاذ هؤلاء جميعا. حين عمل مراسلا لجريدة »الأهرام« في واشنطن طور بسرعة مثيرة للإعجاب مهنة المراسل، وأخذ يغوص في قلب المجتمع الأمريكي ويحفر بدأب ليلتقط أعمق دبيب لحركته الداخلية ويستشرف آفاق تطوره، دون أن ينسى، كما يفعل الكثيرون الآن.. الدور الإمبريالي لأمريكا في العالم ولم يغرق في الموضوعات السهلة والمستهلكة والطريفة، فكانت رسائله تشكل معرفة جديدة لقراء الجريدة اليومية، وإضاءة للعلاقات العالمية المعقدة، وأساسا موضوعيا لتشكيل المواقف.لم يقنع »محمد« بموقعه المريح والمربح من مؤسسة »الأهرام« الحكومية كنائب لرئيس مركز دراساتها، وإنما اندفع بكل طاقته ليؤسس جريدة جديدة يومية لليسار، معارضة وشجاعة هي جريدة »البديل« وبعث فيها من روحه ووهج عقله المبدع حياة معتمدا علي جيل جديد من شباب اليسار المفعم بالأمل وبالطموح والذي دربه »محمد« وفرح به ومنحه الكثير من نفسه ومن خبراته 
رحيل :محمــد السيــد سعيــد..
نشر في: 20 أكتوبر, 2009: 06:42 م