محمد حسين حبيب بدأ اهتمام المرحوم الدكتور ( علي جواد الطاهر ) بالمسرح عامة , وبالنقد المسرحي خاصة , بعد اقامته في باريس للسنوات 1948-1954 . وكانت مقالته (أنا ناقد مسرحي ) التي نشرها في آذار 1958 في مجلة (المعلم الجديد )
تؤسس لذلك الاهتمام , حيث نلمس تيقن الطاهر ما للمسرح من أهمية بالغة في الكشف عن حضارة الأمة .. فهو يقول : « إن امة لاتنظر الى المستقبل هي امة مشلولة , والمسرح هو جزء من حركة الأمة ومسارها الخلاق .. « على وفق هذا المفهوم المتحضر , والمثقف , نظر الطاهر لفن المسرح وتفاعل معه مشاهدا ومتابعا وموجها حقيقيا في كتاباته ( أحاديثه ) المسرحية كلها.فالمسرح إذا كان من بين اهتمامات الطاهر الموسوعية , حيث كتب عنه أكثر من ثلاثين مقالة أدبية , نذكر منها كتاباته النقدية عن العروض المسرحية العراقية للمسرحيات : البيت الجديد / الغريب / السؤال / كلكامش / بيت الحيوانات / غاليلو / الرجل الذي رأى الموت / رقصة الأقنعة / كوريو لان / كشخة ونفخة / برج الحمام / الرهن / الإنسان الطيب / خيط البريسم / ترنيمة الكرسي الهزاز / الباب / بير وشناشيل / لو / الأشواك.إننا نشهد ما للنقد والناقد المسرحي وما يتمتعان به من أصول علمية موضوعية منهجية يعمل وفقها المتخصصون والدارسون . في الوقت نفسه نشهد للطاهر عدم تخصصه في هذا المجال كونه ليس من أهل المسرح , أو من الخبراء فيه إلا انه كان متذوقا كبيرا يثني على ما يعجبه ويعيب ما يضجره , ويقولها دائما : ( على مسؤوليتي .. ) هذه العبارة يكررها في اغلب كتاباته عن العروض المسرحية التي شاهدها وكتب عنها , بأسلوبه العذب , ولغته الحسنة , بحلاوتها السلسة الدفاقة , يجتذب القارىء حقا , إذ يهيم معها شاء أم أبى . إن المتتبع لكتابات الطاهر تلك , سيتلمس أمورا عدة , منها : إن الطاهر يهتم بأمور خارجة عن العرض المسرحي المنقود , فنجد مثلا الوصف الدقيق لمواقف مرت به قبل الدخول في قاعة العرض , ينظر الى شباك التذاكر , وإقبال الجمهور , كما نجد المقترحات والتوجيهات الوعظية منها والتربوية البعيدة برأينا عن مهمات النقد والناقد المسرحي الأساسية . كذلك نجد عدم التدقيق في الأسلوب أو الطريقة الإخراجية للعرض , حتى وان كان ذلك الإخراج ( مبتكرا ) باعتراف الطاهر نفسه .فهو يقول مثلا في كتابته عن مسرحية ( لو ) التي أخرجها (عزيز خيون ) :» إخراجه كان مبتكرا...وان لهذه المسرحية إخراجا واحدا هو هذا الذي قدمها به عزيز خيون , ويصعب أن تراها على غيره حتى لو عرضت بعشرة وجوه وأكثر من عشرة وجوه .. « . إن الطاهر هنا لم يذكر طبيعة الإخراج المبتكر ذاك , أو ذلك الإخراج الواحد , كيف هو ؟ على وفق أي مذهب أو أسلوب ؟ تجريبيا كان أم واقعيا أم تعبيريا .... ؟ ويتكرر الحال نفسه في كتابته عن مسرحية ( الباب ) التي أخرجها ( قاسم محمد ) . بل انه يتجاوز الإخراج هنا ويبقى فرحا في النص وفرحا بالتمثيل .أما عن التمثيل ودور الممثل في العرض فلا نجد غير كلمات المديح والثناء , البعيدة عن أصول وتقنيات آلية اشتغال الممثل وعمله , فالطاهر يكرر في اغلب كتاباته تلك عبارة ( جوّد الممثلون .. ) أما كيف جود ؟ ولماذا لم يجود غيرهم ؟ فهذا ما لم يتعرض إليه الطاهر فبقيت عبارته تلك , كلمات تفتقد الى مبرراتها , ذلك أن الطاهر ليس من المختصين والدارسين لفن المسرح - كما نوهنا - والأمر هنا يقودنا الى ( انطباعية ) الطاهر النقدية المعروفة .العنوان لدى الطاهر يكاد يتشابه ويتكرر , وهو اقرب للإعلان عن المسرحية لا عنوانا نقديا , ونذكر أمثلته : ( بير وشناشيل مسرحية راقية ) ( الغريب مسرحية راقية ) ( لو .. مسرحية عراقية تهز الركود وتفضح الهبوط .. وترجح لدى الاختيار) ( الأشواك .. مسرحية عراقية ناجحة في ذاتها مستثيرة أشجانا من خارجها ) و (خيط البريسم أو فرقة المسرح الفني الحديث ما زالت بخير).كذلك نشعر حين نقرأ تلك الكتابات ومحتواها , إننا إزاء قراءة قصة مثلا , فيها الوصف والموضوعة المستندة الى اشتغال مقال أدبي صرف .أما عن مكملات العرض المسرحي الأخرى , كالديكور والإضاءة والأزياء والمؤثرات الصوتية , فهذا ما لم يتطرق له الطاهر إلا بذكر عابر يسير قد تفرضه عليه الصياغة المقالية لإكمال معنى ما . كذلك ابتعاده عن استخدام ( المصطلح المسرحي ) كأداة نقدية رئيسية يستند إليها الناقد المسرحي , على الرغم من تأكيد الطاهر نفسه الاهتمام بالمصطلحات وبأنها غير الكلمات - على حد قوله - . ومن المهم الاشارة هنا الى آراء الطاهر عن ظاهرة المسرح التجاري التي شاعت في حينها كتسمية لعروض أستهلاكية هابطة , فهو يقول مثلا : « .. الأسوأ ما يضحك أكثر من دون سبب , ليربح أكثر من دون حق..”.
علي جواد الطاهر وتجربته في النقد المسرحي
نشر في: 21 أكتوبر, 2009: 05:01 م