د. محمد حسين الاعرجيلن يستطيع التلميذ ان يوفي حق استاذه، وكيف يستطيع وفجيتعه بوفاته وحدها كفيلة ان تخلخله، فما بالك وقد فجع بخبرين في شهر واحد، وفاة ابيه بالدم، ووفاة ابيه بالروح، الدكتور علي جواد الطاهر، أبي رائد؟.
مضى احباي ما ودعت من احدمنهم، ولا ودعوني يوم ان عزمواأأذكر الجرح ام انسى اذاعتهحسب الجراحات الاّ يذكر الالمأما ابي، فلن استطيع ان ارثيه للناس، لانه لم يكن يزيد – عليه رحمة الله ومغفرته- عن كادح من عامة الناس.. واما ابي بالروح فقد كان ابا لاجيال استطيع ان ارثيه لهم، واستطيع ان اباهي به كما يباهون، ولكن ماذا اقول؟.وتزدحم الذكريات في ذهن التلميذ، فأيها ينتقي، وايها يدع؟ ويالله وياللذكريات كمن تتوهج في الاسى، ولكنه ليس اسى المفجوع بعزيز انه مات، فقد قال المتنبي العظيم قبل اكثر من الف عام:نحن بنو الموت فما بالنانعاف مالابد من شربه؟!يموت راعي الضأن في جهلهميتة جالينوس في طبهولكنه اسى من نوع آخر اعمق واشف، اسى لابد انه ترك غصة في روح الدكتور الطاهر اسى من غصة الموت نفسها، هي غصته ان يموت والامل لم يتحقق، واكاد اتصور غصته، وهو يحتضر- مرددا قول الشاعر القديم: وان بقاء المرء بعد عدوهولو ساعة من عمره لكثيرفقد مات ولم يفرح ببقاء كثير ولا قليل بعد عدوه.ويتذكر الان التلميذ استاذيه الدكتورين المخزومي والطاهر- وقد دعيا الى القاء محاضرات على طلبة الماجستير بجامعة قسنطينة في الجزائر- ان ساكناه بعد انتهاء المحاضرات في شقته بالجزائر العاصمة في محلة ابن عكنون ينتظران موعد الطائرة التي تقلهما الى بغداد اياما ويتذكر من هذه الاقامة الطيبة كل عطرها الفاغم، ويلح عليه من بين هذه العطور عطر واحد هو ان استيقظ –ذات صباح- استاذه ابو رائد، فأطل من شباك غرفته على اطفال جزائريين يلعبون فتذكر طفله، اربد- وكان ذلك في خريف عام 1979- فدمعت عيناه، فسأله تلميذه عن دموعه فأخبره بما يحس.اما كيف اعجب التلميذ باستاذه فلذلك حديث آخر.لم اكن معجبا بالدكتور الطاهر، لانه عالم فحسب، ولا لانه استاذي فحسب وانما اعجبت به واكبرته، لانه كان استاذا من طراز خاص، لايكاد يشبهه استاذ آخر، اذ كان استاذا يربي العقل اكثر مما يحشوه بالمعلومات وان انس لا انس انني وهمت ذات يوم في امتحان الادب العباسي عنده، فاجبت عن سؤال لم يسألناه- وكانت ورقة الاسئلة تتألف من سؤال واحد- واذ اكتشفت وهمي خائفا وجلا موقنا بالرسوب ضحك هو – عليه رحمة الله- قائلا:-حسنا سأعطيك صفرا على الاجابة وينتهي الامر.ثم سكت لحظة وسألني.-عمّاذا اجبت؟.فقلت:-عن الرسائل الديوانية: فقال:-حسنا سنغير السؤال في ورقتك الامتحانية بحيث يكون سؤالا عن الرسائل الديوانية، وسأصحح اجابتك على هذا الاساس وهكذا كان الامر، ولم يكن الدكتور الطاهر يفعل هذا وهو الشديد الشديد، ولكنه كان حسن الظن بتلميذه الذي كان من حسن الحظ وحده – وليس شيئا آخر، يكون في نجاحه الاول على زملائه وعلى سواهم من طلبة الاقسام الاخرى.واتذكر- ونحن في السنة الرابعة من كلية الاداب.. انه صدرت قصة (اللعبة) للاستاذ يوسف الصائغ، وانها اثارت في حينها ضجة كبيرة فمن قائل: انها كاسمها (لعبة) ومن موقن انها مسروقة من الادب السوفياتي (يومذاك) ومن معجب بها، فكلف الدكتور الطاهر ثلاثة من تلاميذه كنت واحدا منهم ان يكتبوا عنها نقدا وكان يدرسنا مادة النقد الادبي، ثم استحالت دروسه تلك الى كتابه الممتاز: مقدمة في النقد الادبي- واذ كتبنا، وحان موعد القاء ما كتبنا على زملائنا في الصف ليسمع استاذنا فيرى رأيه، ويناقشنا زملاؤنا، لمحنا ونحن في الصف وجها جديدا كدنا نظن انه طالب منقول الى صفنا لولا ان عمره كان يكذب ظننا ولم نجرؤ- ونحن نتهامس- ان نسأله عمن يكون؟ واذ جاء استاذنا قرأ الفضول في عيوننا مبهما، فبدأ محاضرته ذلك اليوم:-الذي بينكم هو الاستاذ يوسف الصائغ صاحب (اللعبة) وقد دعوته الى هنا ليناقشكم فيما كتبتم، فمن يبدأ منكم بالقراءة؟.وقرأنا، سلام، ووليد، والمتحدث، ما كتبناه، وناقشنا ونوقشنا، واذا انتهينا طلب مني ان اسلمه مقالتي ففعلت، اليس من حق الاستاذ ان يأخذ معه ما كلف به تلميذه؟ وظننت ان الامر قد انتهى، وهو منته عند اي استاذ سواه، ولكنني فوجئت بعد شهرين او اكثر او اقل- لا اتذكر تماما بالدكتور الطاهر وهو يعطيني مجلة (الاديب) البيروتية قائلا: خذها فهي لك! واخذتها اتصفح موادها واذا بي افاجأ بأن ما كتبته عن (اللعبة) منشور فيها، وكان الذي ارسله هو الدكتور الطاهر، ولابد ان يكون قد استثمر صداقته العميقة مع البير اديب، صاحب المجلة، في نشره والا فمن انا يومذاك، واليوم ايضا، لتنشر لي (الاديب)؟ وحماسته لمن يظن انهم نابهون من طلابه من العجب العجاب، ولولا انه كان يظن انني من بينهم، لقلت: انه لم يخطئ مرة واحدة في ظنه، ومن آيات هذه الحماسة ان جاء الى القاعة التي نمتحن فيها امتحان التخرج، وكان ذلك آخر يوم من امتحان السنة الرابعة، فطلب مني ان القاه بعد الفراغ في قاعة الاساتذة فامتثلت، وكان المرحوم الدكتور المخزومي معه- كما هي عادتهما- واذ حييتهما اشارا عليّ بالجلوس، وبدأ الط
استاذي العلامة الدكتور الطاهر
نشر في: 21 أكتوبر, 2009: 05:09 م