TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > في مقال نادر للموسيقار جميل بشير..فريد الاطرش والموسيقى الشعبية

في مقال نادر للموسيقار جميل بشير..فريد الاطرش والموسيقى الشعبية

نشر في: 23 أكتوبر, 2009: 04:40 م

تبقى الانشاءات الخاصة في موسيقا فريد الاطرش في جانبها (الشعبي) علامة غير قابلة للامحاء اذا ان هذا التاريخ كان يحال برمته الى فاعلية الذات الفنية باعتبارها الملجأ الحي، تلك التي انعقدت فيها المصالحات النغمية الشعبية العربية المتنوعة على نحو باهر في (اوبريت) بساط الريح
تلك التجربة الفائقة الخطورة باقصى ما تستطيع الطاقة الخلاقة الدفاقة التي يمتلكها الموسيقار ان تعطي مثل هذا العمل المعبر عن تنوع البيئة النغمية العربيةوقبل الحديث عن الخصائص الجوهرية في موسيقا فريد الاطرش الشعبية لابد ان نأتي على تعريف للاغنية الشعبية. ابتداء فهي قالب فني له لازمة موسيقية في الغالب تكون واحدة ثم يعقبها المذهب الغنائي والغصن الاول وعودة للمذهب. ثم الغصن الثاني وعودة للمذهب يصاغ المذهب عادة من مقام تكون الاغصان ايضا من نفس المقام ولضرورات التلوين اللحني يلجأ الملحن الى تغيير مقامات الاغصان عن مقام المذهب الاصلي دون الخروج على القالبية المقامية للمذهب. لايمكن القول ان الاغنية الشعبية انطلقت من فريد الاطرش فلقد سبقه في هذا المضمار سيد درويش بتلاحينه الرائعة وعظم الطاقة الابداعية التي صاغ بها اغانيه الشعبية، غير انه يمكن التحديد تماما ان فريد الاطرش حقق وحدة الانسجام النغمي العربي في الاغنية الشعبية عن طريق استخدام افاق مقامية متنوعة لبيئات عربية متعددة، فهي نتاج جمالي ثقافي ومحاولة لتدبر الدليل الالهامي الساعي الى تتابع للعناصر النغمية المشكلة وفقا لمعايير موسيقية تتم حيازتها بصورة واعية. ومن المؤكد ان فريد الاطرش استمد خلاصات تجداربه الفنية في التلاحين الشعبية من محتوى روحي اعتمادا على طاقاته الداخلية فهي نتاج لمزاياه وسجاياه وتجاربه. والمخطط العضوي لفن الاطرش الشعبي يستمد انواره من التأمل الباطني الخازن لمعرفة بصيرة بالانغام العربية المتعددة مصرية، سورية، لبنانية، عراقية، سعودية، سودانية، مغربية، تونسية، الى اخره مع اضفاء طابع عصراني يتآلف ايجابيا مع اتجاهات الاسماع الفنية، اذا ما وضعنا في حسابنا ان فريد الاطرش كان يجيد الغناء وفقا للنص وهو عازف نادر على آلة العود والآت عربية واجنبية اخرى منها (البيانو) وهاضم كبير للانغام البدوية والريفية ومستوعب للاصول المقامية العربية والشرقية وصاحب صوت رخيم ممتد ومتنوع في المسافات، له قدرة عميقة في مجال الابحار الصوتي كما يتمتع بملكة عجيبة على الصعود والهبوط، يتضح لنا بجلاء الاصل المعماري الفني للاغنية الشعبية الاطرشية وعلى الرغم من ان لبنان وسوريا كانتا معقلا للموسيقا الشعبية، الا ان مصر نجحت في تحوير هذه الاهمية وجعلها تتسم بالطابع المصري البالغ الشفافية، وهذا ما قام على جهود كبار من الملحنين، سيد درويش (طلعت يا محلا نورها، زوروني كل سنة مرة، الحلوة دي قامت) زكريا احمد (يا صلاة الزين، غني لي شوي شوي، القطن) فريد الاطرش (احبابنا يا عين، تطلع ياقمر بالليل، ياللاتوكلنا على الله، يابنت بلدي). هؤلاء كرسوا جزءا كبيرا من فنهم لهذا الجانب اكثر من غيرهم من الملحنين الكبار الاخرين. منهم محمد عبد الوهاب (ياللي زرعتوا البرتقال، هليت ياربيع، مين زيك عندي يا خضرة، يامراكبي قدف عديني) والاخيرة غناها (محمد امين) في فيلم (ممنوع الحب)، فان الموسيقار محمد عبد الوهاب بثقله الفني اللامحدود لم يعط للاغنية الشعبية من تجليات عبقرية مثل ما اعطى لفنون الغناء الاخرى (القصيدة، الدور، المونولوج، الديالوج، الموال، الطقطوقة) فعبد الوهاب لم يجد في الاغنية الشعبية ا رضية حقيقية لانطلاق اهتماماته الرئيسة الواسعة في مجال التجديد الحي لملامح الفن الموسيقي العربي، بل هو حتى في كتابته لالحان الاغنية الشعبية طلع علينا بمزج فني لخطوط لحنية متوازنة بين عمارة الفن القالبي للاغنية الشعبية وبين الطابع اللوني والميلودي لفن الطقطوقة الممتلئ الفياض فان عبد الوهاب يريد لفنه كتابة موسيقية معقدة وبانغام رحيبة وحوار مقامي اخاذ ذي حدوسات لونية فسيحة، وتلك لا يوفرها فن الاغنية الشعبية لهذا لم يطل الوقوف عند هذا النوع من التأليف واتجه الى طريقه المعروف، وهو ما عرف ايضا عن الموسيقار محمد القصبجي، الذي لم يترك فنا ذا اثر في هذا الجانب من التآليف اللحنية العربية، بل اتجه الى حصر ملكاته الابداعية في مجال المونولوج؛ اما الموسيقار رياض السنباطي، فانه اكتفى بالحان محدودة في مجال الاغنية الشعبية لعل ابرزها (على بلد المحبوب وديني) التي اداها المطرب عبده السروجي في فيلم (وداد) ثم ادتها فيما بعد سيدة الغناء العربي ام كلثوم، اذ اتجه السنباطي الى تطوير القالب الفني للقصيدة الكلاسيكية. من هنا يتضح عظم الدور الذي القي على عاتق فريد الاطرش، ويستطيع المتتبع الحاذق الملم بتفاصيل الاساليب الموسيقية العربية ان يكتشف في موسيقى الاطرش جميع التغييرات التي طرأت على فن تلحين الاغنية الشعبية، فقد  عرف هذا الفنان الكبير، كيف يوفق بين فن البيئات العربية المتنوعة في التصميم والانشاء وبين ميل الحس الشرقي الى الميلوديا، كما انه استطاع ان يقبض على خصائص التكوين الاسلوبي لقالب (الموال) ومزجه بطابع الاغنية الشعبية كما في اغنية (ياديرتي مالك علينا لوم) ت

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram