سعاد الهرمزيلقد كان مشغولا طوال الوقت في لعبة البوكر وفي ميادين سباق الخيل متنقلا بين القاهرة والاسكندرية وفي اللقاء بالغانيات والمعجبات وهن (على قفا من يشيل) على حد تعبير المثل المصري، ولأني مقامر قديم فانني اعرف ماذا يفعل القمار باعصاب من يمتهنه ويدمن عليه، وكان فريد الاطرش ممتهنا ومدمنا خطيرا للقمار، يلعب اربعا وعشرين ساعة من دون ان يرفع رأسه عن اوراق اللعب..
مدمن ورق مزمن وعاشق للنساء متمرس ومغرم (صبايا) بالخيول وهي تسابق الريح وتكنس جيوبه من اخر مليم..لا اريد بهذه المقدمة ان اتطرق الى حياة فريد الاطرش الشخصية فذلك ابعد من ان اهتم بها او اوليها اي قدر من الاهتمام..فنه وحده يهمني وغير فنه لا يهمني في شيء، ولكن هذه المقدمة لابد منها لكي نتعرف على هذا الملحن الخطير الذي دوخ النساء خاصة باغانيه العاطفية الباكية.. لابد منها حتى نعرفه متى كان يلحن فريد الاطرش في هذا الزخم الكبير من (نشاطاته) (الانسانية) في الليل والنهار.انا لا اعرف حقيقة، وقد لا يعرف ذلك الكثيرون. لقد وضع فريد الاطرش مئات الاغنيات في الافلام الـ 31 التي مثلها في السينما ووضع مئات غيرها لعشرات من المطربات والمطربين كانوا يلهثون ورآءه لكي يلحن لهم..ولكن اللغز يبقى قائما..... متىكان فريد يجد كل ذلك الوقت ليلحن مئات الاغنيات؟لا احد يعرف...وقد سألته مرة شخصيا عن هذا اللغز المحير فقال: ليس لغزا محيرا، فانا الحن في القطار وانا مسافر من القاهرة الى الاسكندرية والحن وانا مستمتع بصحبة مع النساء والحن وانا في الحمام.. الحن وانا في الشارع اتسلى بالتطلع في الوجوه.. الحن وانا على عوامة يلفها السكن العميق في ليل القاهرة البهيم.. الحن وانا اصعد السلالم.. والحن وانا اهبط بالاسانسور.... وذلك هو في فريد الاطرش الذي لا ينام ولا يهجع في فراشه الا وقد استيقظ كل البشر ليستقبلوا يوما جديدا وكيف يكون اليوم جديدا لو اتصلت الايام ببعضها ولم يعد من الممكن الفصل بينها ولو بشعرة في دقة الشعرة التي في العجين.هل نرجع الى الموهبة الخلاقة التي كان يتمتع بها فريد الاطرش؟واذا لم نرجع فالى اي شيء نرجع؟فريد الاطرش وشرقيتهلو امعنا النظر في جملة الاعمال الموسيقية التي خلفها فريد الاطرش طيلة اكثر من اربعين عاما لاتضحت لنا بجلاء هويته الدالة على غرامه الشديد بالموسيقى الشرقية.وكثيرا ما يقال ان فريد الاطرش كان ينحرف احيانا عن خطه الموسيقي الشرقي ويعمد الى اقتباس جمل موسيقية لاتمت بصلة الى الموسيقى الشرقية، والحقيقة او ما نستنتجه نحن منجلة ما قدم من الحان كان اطارها يؤشر الى شرقيته الصرفة عدا بعض الالحان القليلة التي توجه بها الى اطار غربي يثبت بها قدرته على التلحين في ذلك الاطار..ويبدو ان الغناء في ذلك الزمن البعيد كان في سباق مع الوقت، فعبد الوهاب يدخل الآت غربية في مفاصل الحانه ويرصعه بايقاعات غربية، جفنه علم الغزل. سهرت منه الليالي. مريت على بيت الحبايب. اهون عليك وغيرها التي مزجها بايقاع غربي محتفظا بطابع الحانها الشرقي..ورياض السنباطي اتجه ذات الاتجاه ولحن عددا من الاغنيات لعبد الغني السيد تحمل الخصائص نفسها التي حملتها اغنيات محمد عبد الوهاب: قوليلي ايه غير حالي؟ غاب بدري عن عيوني، شفت الامل والهنا. يا اسرة قلبي وغيرها..ومحمد القصبجي فعل الشيء نفسه في اغنيات ام كلثوم في فلم نشيد الامل: ياللي صنعت الجميل. يا مجد ياما اشتهيتك. منيت شبابي. فكان على فريد الاطرش ان يثبت وجوده في ذلك الاتجاه الجديد، ونجح فريد الاطرش في اثبات ذلك الوجود الذي لم يكن قط اساسا في توجهه الموسيقي الشرقي..عن كتاب فريد الاطرش للكاتب الراحل سعاد الهرمزي
السر الذي لا يعرفه احد..متى كان فريد الاطرش يصنع الحانه؟
نشر في: 23 أكتوبر, 2009: 04:45 م