اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > نص : صالة البهاء

نص : صالة البهاء

نشر في: 23 أكتوبر, 2009: 05:03 م

شاكر الانباريلف في الشوارع ودار، كان النهار ألقا، ضجيج المدينة يشتت أفكاره فتوغل في الأزقة الفرعية هروبا من نداءات الباعة وأشعة الشمس الحامية. وهذا الصيف الذي كان مليئا بكل ما هو طريف وجارح. لذيذ وشاق. زقاق يسلمه الى زقاق. يمشي دونما هدف واضح.
 ولا من فكرة في رأسه يستقر عليها حتى جاء الى باب فخم، من حديد مشبك. تسيل منه موسيقى عجيبة، لا تسمعها الأذن. لكنها تسري في الجو. تستوقف الأحاسيس، وكأنها أياد لا عد لها تتشبث به، فما كان منه الا أن دخل الباب فاذا به يقود الى درج صاعد الى الأعلى، درج نظيف بلاطه يتلامع كأنه بركة ماء. عند استدارة الدرج وضعت مزهريات من الفخار فيها نباتات صغيرة زرق أوحت له ببهاء المكان. الموسيقى الخفية تتصاعد، تهب عليه من الباب الزجاجي الذي دخل منه. صالة فسيحة مغلقة من غير شبابيك، فيها لوحات غريبة مثبتة على جدران بأحجام مختلفة، قسم مضاء بأ نوار مخبأة في الجدران وقسم معتم.شجرة تنمو على هضبة لونها أصفر وأحمر، والشمس مائلة للمغيب. في المقدمة عتمة تتناغم مع الشجرة المعتمة، شفق بعيد، تتناثر فيه غيوم توهجت حتى يحسبها الرائي جمانا سائلا. نهار في طريقه الى الزوال، والأشياء في طريقها الى عالم الليل. أدخل جسده في العتمة فغزاه الرعب فتراجع هاربا الى دعة الموسيقى والفة الصالة، من أين يشع النور؟ ورقة من ضوء، زهرة شمس، ذؤابات الشقائق برق في برية. امرأة تلبس رداء شفافا تتطلع الى نافذة، النافذة متوهجة باللون، والرداء أبيض، انها تقف متأملة مترقبة، حبيب يمر أم رجل يمضي، ضوء بعيد يتخلل الجذوع. شعاع اللحاء للب، للقشرة التي سرد عليها العاشقون اسماء حبيبات وهميات. كن أجمل النساء. ثم يخفت الضوء كلما تقدم الى تموز الراعي. عازف الربابة في حقول القمح. وقد كان هو نفسه الذي يبعثر موسيقاه في الرسوم، وبين الكراسي، وعلى بلاط الدرج. مد يده وتناول المزمار من بين شفتي الراعي، وحاول أن يعزف ملله، وحدته أساه، فلم يطاوعه لحن. أرجع المزمار واكتفى بالنظر. اذ لا خلاص أمامه من متاهة المدينة. لا ملمس للراعي. قبل عشرات السنين كان راعيا هو أيضا، ولا يزال الندم يملؤه لأنه لم يتعلم العزف على المزمار. لن تكون حياته كما هي لو تم له ذلك.أسطورة بابلية أو دينية حول مكان اسمه الجنة، قطوف دانية، حور وأثمار وأنهار من لبن وخمرة وتلك الموسيقى رداء حلم لامرأة في الضوء داخل السرير. باب مفتوح وشاب عار يحمل كأسا ضخمة من النبيذ، وثمة وجه قادم من الظلام، خيانة سافرة. ترتشف منك الكأس وتفكر بثانية. التوق الى الجنة.وكأن تلك المشاهد مقبلات لما سوف يأتي، لذلك العناق الأبدي بين الأنثى والذكر، منه تتناسل الشوارع والأزقة والحانات والأردية الملونة وأزهار الحدائق المنسقة وتلك المسماة مدينة. مضاجعة. هي أصل الحياة، وحمرة في مكان التواصل، دم. لحظة ولوج الرجل في المرأة، أو لحظة ولوج المرأة في الرجل. تثبيت البذار. والضوء الأصفر يؤطرهما كما لو كانا في رحم. انهما جالسان في شعلة من أضواء خضر وبنفسجية وحمر، من أجل ولادة قادمة، امتزاج جسدين. ومنظر بحري آخر، غيوم في السماء صفر وبرتقالية كأن شمسا تشرق عليها. أو كأنها شمس شتتها القدم، ولا جدوى من الدوران في الفضاء، وثمة زرقة للحظة تمر على كرتنا الأرضية. لحظة خالدة حيث لا يعرف من أين مصدر النور أهو من السماء أم هو العين الباصرة؟ الرحم نور، والشجرة  نور، وتلك الصخرة الموشكة على السقوط، من حافة المنحدر، نور هي الأخرى.وتلك ينظرها صالة البهاء.كانت تميس أمامه وكانت الحبيبة في زمن ما. عشتار الراقصة، جدائلها تلتف حولها مثل اخطبوط. زهرة بنفسج، مع نشوة، وهناك رأس لغزالة بقرنين طويلين. امرأته تمثل النساء أجمع، لحظة الانتشاء رقص الجسد بشساعة الابتهاج والحرية، حين تتكسر الأسرار وتتهاوى القشور القديمة المصنوعة من تعاليم وطقوس وممنوعات وأعراف. الجسد ضوء غريب بين الأبيض والأصفر والأخضر، عازف الكمان شارباه لحظة خروج الموسيقى من الجماد، روح الوجود. نافذة مقرنصة مع الشبكة الحديدية، ونباتات متسلقة مع بقع ضوئية صفراء وبرتقالية. بعد قليل سيطل وجه من زمن لا ينتمي الى  زمن، يتوقع خروجه من بين نسيج القماش وزوايا الاطارات وصفحة الجدار، بل من أرضية البلاط والسقف ذي الثريات والمصابيح. لا يرغب في أن يرى وجهه لا هو بالذكر ولا بالأنثى. مصنوع من موسيقى لا ترى وأطياف وخيالات وغيوم. دخل اللوحة، وقف جنب المرأة داخل الغرفة المعتمة ثم قال للمدينة حدثيني عن نفسك. قالت: انك الآن فيها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طقس العراق.. أجواء صحوة وانخفاض في دراجات الحرارة

أسعار صرف الدولار تستقر في بغداد

تنفيذ أوامر قبض بحق موظفين في كهرباء واسط لاختلاسهما مبالغ مالية

إطلاق تطبيق إلكتروني لمتقاعدي العراق

"في 24 ساعة".. حملة كامالا هاريس تجمع 81 مليون دولار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram