اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > في ذكرى رحيل سركون بــولص..ظاهرة منفى الشعراء وقسوة الشعراء المطرودين

في ذكرى رحيل سركون بــولص..ظاهرة منفى الشعراء وقسوة الشعراء المطرودين

نشر في: 23 أكتوبر, 2009: 05:08 م

علي حسن فوازماذا تعني استعادة شاعر بامتياز سركون بولص في ظل مناف عراقية بات تصنع شعراء عالقين على سطوح الذاكرة؟ وهل تعني هذه الاستعادة الدعوة لقراءة ظاهرة المنفى الشعري، ام عذابات الشعراء المطرودين، ام الاخلاص الى تجربة سركون ذاته باعتباره احد مجددي القصيدة العراقية؟
فهل يمكن في هذا السياق ان يمثل الشاعر سركون بولص ظاهرة شعرية استثنائية وسط فضاءات شعرية مزدحمة بالظواهر؟ وهل يمكن ان تكوّن حياته الحافلة بتحولات عميقة  وصدمات فادحة أثرا باعثا على قراءة تاريخ لسيرورات شعرية مكشوفة على تعريات فادحة، خاصة ان الستينيات من القرن الماضي كانت زمنا سياسيا وثقافيا محمولا  على استعدادات لصناعة هذه الصدمات والتعريات وما يقابلها من النقائض والاحتجاجات والهزائم. سركون بولص اصطنع لنفسه منذ البدء هامشا فاعلا، هامشا وسط جماعة كركوك التي ضمت مجموعة من المثقفين المسلتبين بهاجس المكان واللغة والحلم ومنهم(فاضل العزاوي، مؤيد الراوي، جان دمو، انور الغساني، جليل القيسي، يوسف الحيدري، صلاح فائق، سركون بولص) فضلا عن هامش آخر وسط جيل الستينيات الصاخب والفعال في آن والذي كان يعيش اغترابات التحول العميق في الحياة والكتابة والوعي. .الشاعر سركون بولص  امتهن الهروب نحو الحلم، نحو ذاته المهووسة الباحثة اللجوجة، نحو اكتشاف العالم بواسطة المزاج اوبواسطة التمرد عليه، وربما اراد عبر الافراط باحلامه ان يتلبس قناعاً يشبه الى حدّ ما قناع  احمد بن فضلان ويرحل الى ما هومتسع، بحثا عن حريته، تلك التي تلمس الطريق الى قلقها في رحلته الوجودية نحو الشمال البارد والضاج،الشمالي الاستعماري،الشمال المعرفي والانساني  ليرسم  خارطة سرية  للغة والجسد كي يتوغل فيهما عاليا نحو  عوالم تتيح له ارتكاب المزيد من صناعة الاوهام والغوايات، تلك التي كانت تدفعه للذهاب بعيداً نحو اللامكان، خاصة ان الفضاءات السياسية في العراق بدت اكثر انهاكا وقهرا وبالطريقة التي لم تتح للشاعر ان يمارس غوايات هامشه الشعري، ولعل مجموعته الاولى(الوصول الى مدينة اين) هي الهاجس القلق الذي القى به الى هذه المتاهة، وشهوة البحث عن الذات الضائعة، تلك التي جعلته يجر الموت معه، او يجرّ الحياة وراءه كما قال انسي الحاج..التحولات الشعرية في قصائد سركون بولص ارتهنت بتحولات وعيه العميق، فهو ادرك مبكراً هواجس القصيدة الجديدة واسئلتها، اذ التمس ماحملته قصائد جماعة البيتنكس في اميركا خاصة الشعراء(الن غيسنبرك، جاك كروال، بوب كوفمن وغيرهم) نوعا من الدهشة التي اثارت لديه شجن البحث عن الحرية العميقة، حريته الشخصية التي تستغوره روحه اللائبة، التائهة كاي اشوري يبحث عن ملحمة وجوده الشخصي، وهذا النزوع الى هاجس مطاردة ملحمته الشخصية هو اكثر البواعث النفسية والوجودية الدافعة لبحثه عن الموت، وكأن هذا الموت هو حياته الاكثر بهجة والاكثر اشراقا، فهو يكتب بلغة شفيفة، مفتوحة، متراخية مرثاته للعالم، للجسد، للذة، للبلاد، للمنفى، للاصدقاء الذين يرحلون عنوة.(حبلُ السُرّة أم حبل المراثي؟لا مهرب: فالأرض ستربطنا إلى خصرهاولن تترك لنا أن نُفلت، مثل أم مفجوعة، حتى النهايةكل يوم من أيامنا، في هذه الأيام، جمعة حزينةويأتيني في الجمعة هذه خبرٌ بأن البريكانمات مطعوناً بخنجر في البصرةحيث تكاثر اللصوص وصار القتلة يبحثون عن .. يبحثون، عمَّ صار يبحث القتلة؟ان انغمار سركون بولص بهذه الكتابة التي لاتطمئن لاي معيار، يجعل انفتاحه على البنية النثرية، اشبه بالانفتاح على الحياة بكل هوسها وعنفها، تلك التي يقول عنها ساخطا( انا الدودة الحية في تفاحة العالم) وهذا ليس توصيفا لمعنى حسي بقدر ماهو محاولة لايجاد تكامل بين نزعته للحياة ونزعته للموت، اذ تكون الكتابة بصوت عال هي رغبة حميمة في الكشف عما في ذاته المضطربة من جنوح وجموح وتمرد وصخب، تلك التي جعلته وهو الشاعر الكسول مليئا بالحياة، والصانع الاستثنائي لطبخات النثر الشعري،المسكون بالاختلاف، ينشد رغم كل هوسه وتمرده الى نوبات عاتية من الحنين، تلك تجعله قريبا من كركوك التي أحب، وقلقا ازاء سان فرانسسكو التي اطلق فيها حماماته ،فكم هو قاس هذا المنفى الذي يتسع ،في الوقت الذي يضيق فيه الشاعر حدّ الموت. فما كان عليه  ان يفعله سوى  ان يواصل الهروب امامه، وان تقتفي أثر الريح  لتلحق اشياءه الهاربة ،البلاد ،السنوات ،القصائد التي انسلت مثل فصوص الماء،والمراة التي كنت تشتهي بوحها وضجيجها، ربما كانت تشبه نساء غويا فالتات من الزمن ونافرات من الاصابع ..المنفى اصطنع عند سركون بولص وحشة مبكرة للموت، اذ يمط زمنه الفيزيقي مثلما يمطّ الساعات، هو  لايصنع  له مزاج الشاعر الكوني، ولا الشاعر الصعلوك او الشاعر الهروبي، وانما يضعه امام لعبة اقتفاء الاثر، اثر روحه اللجوجة التي تبحث عن صوتها القديم الهارب، مثلما لايبحث عن كنوز ضائعة او ادوار للفروسية، فالارض وزعها الابطال والملوك ورؤساء الجمهوريات والطغاة والغزاة على مريديهم،  واصبح الشعراء متورطين بالحلم والركض وراء(عظمة اخرى لكلب القبيلة) كما

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طقس العراق.. أجواء صحوة وانخفاض في دراجات الحرارة

أسعار صرف الدولار تستقر في بغداد

تنفيذ أوامر قبض بحق موظفين في كهرباء واسط لاختلاسهما مبالغ مالية

إطلاق تطبيق إلكتروني لمتقاعدي العراق

"في 24 ساعة".. حملة كامالا هاريس تجمع 81 مليون دولار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram