TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > عبدالمجيد الونداوي ..ذكريات حفزتها قسوة التاريخ..

عبدالمجيد الونداوي ..ذكريات حفزتها قسوة التاريخ..

نشر في: 25 أكتوبر, 2009: 05:34 م

في الثامن من آب عام 1974 رحل عن الاسرة الصحفية، عبدالمجيد الونداوي، كان رحيله مفاجئا وكان رحيله مؤلما وقد ترك فراغا كبيرا في ميادين العمل الصحفي الدؤوب. ونحن الجيل الجديد من شباب الصحافة كان الالم بينا اكبر وكان الفراق اعمق،
 فقد عرفنا هذا الانسان صحفيا بارزا تعلمنا من كفاءاته الشيئ الكثير وعرفناه مكافحا صبورا ارتضى كل انواع البؤس والشقاء ايام العهود الغابرة في سبيل ان يحفظ كرامة الصحفي وشرفه، وعرفناه انسانا مثابرا في سبيل تجسيد الكلمة الثورية وفي سبيل ان تكون هذه الكلمة سلاحا ماديا في يد الجماهير كيما تحقق المجتمع الجديد الذي تنشده. غاب عنا هذا الانسان، ونحن مانزال نتعلم في مدرسة الصحافة وفي زمن البناء الثوري الجديد للمجتمع، وليس امامنا اليوم غير ان نتذكر شيئا من تاريخ هذا الانسان مدونا في ذاكرة ثلاثة من اصدقائه وزملائه الصحفيين الذين خصوا مجلتنا بهذا الشيء من الذكريات. في الذاكرة ابداً *في هذه المرة جاء الحزن ناعما، هادئا، ونهائيا، حزن يحتل، الى الابد، وكان ثابتا من الحاضر والمستقبل، في حياة كل الذين عرفوا مجيد الونداوي، معرفة حقيقية، فكيف اتحدث انا؟ اكثر من لازم حياته في السنوات الاخيرة، يوما فيوما، وسنة بعد سنة، من الشقاء والتشرد والبطالة والعمل المشترك بين آونة واخرى، في هذه الجريدة او تلك، حيث المعاناة غداؤنا اليومي، خبزنا واحلامنا، مسراتنا الصغيرة المدهشة، وآلامنا اليومية، وشكوانا وتفتحنا.. لفرصة اخرى، اترك الحديث عن مجيد، مذ عرفته وحتى وقفت، مع نفر من اصدقائه في تلك الليلة الموحشة التي لاتنسى، بين القبور، حيث تركناه وحيدا، هادئا في صندوقه الخشبي، واتخيله مبتسما ايضا بتلك الوداعة العميقة التي كانت واحدة من اهم سماته. سأتحدث فقط عن تلك اللقاءات التي لاتنسى، عندما زار احد الكتاب اللبنانيين (فواز الطرابلسي) بغداد قبل اعوام، تعرفنا عليه مجيد وانا عن طريق احد الاصدقاء كنا جالسين في المقهى البرازيلية، ملاذ فراغاتنا الدائمة، عندما رأينا الطرابلسي لاول مرة مع صديق عراقي، وبسرعة كنا ننتقل الى (الركن الهادئ) حيث يحلو لنا ان نجلس لنحتسي شيئا من البيرة، ونتحدث ونتذكر، ونثرثر احيانا، في تلك اللقاءات بدأت الصلات الحميمة بين مجيد وبين الكثيرين من الشبيبة المثقفة، الذين كانوا مشروعات مطمئنة لادباء وشعراء ونقاد وفنانين وصحفيين. وفي اللقاءات، توطدت الصداقة العميقة بين مجيد الذي هو من جيل، يضرب جذوره بعيدا، في ساحة العمل الوطني والصحفي، والذي يحمل في ذهنه ووجهه وتكوينه، تاريخا حافلا من النشاط السياسي والفكري، والذي ظل فترة طويلة رئيسا لتحرير جريدة الاهالي، الناطقة باسم الحزب الوطني الديمقراطي. اقول كنت ارصد تطور هذه الصلات بين الرجل، وبين تلك المجموعة الذكية المتفتحة، المليئة بالغضب والفتوة، والرفض احيانا، كنت ارصد، وانا واحد من الجيل الجسر، بين جيلين، يمثل مجيد اقدمهما، كنا نجتمع كل يوم، وتمتد لقاءاتنا ساعات طويلة، نتحدث في كل شيء ونناقش كل شيء، في تلك الفترة المشحونة بالاحداث من تاريخ وطننا، وكان الزائر اللبناني الصديق الذي ترجم الى العربية الكثير، كان من اهمها كتاب جون ريد الرائع (عشرة ايام هزت العالم) يزداد اعجابا بمجيد، لقد وجد فيه، هو الباحث الفضولي عن تاريخ الحركة الوطنية في العراق، مرجعا ثرا لهذا التاريخ، بكل اخفاقاته وانتصاراته، واحد الشهود المهمين. لم اكن اشفق على مجيد، من هذه التجربة الحقيقية، بانتظار نجاحه او فشله في اقتراب تلك الوجوه الفتية اللامعة الرافضة منه، لانني اعرف بساطته اللا متناهية، وقدرته على معايشة الاحداث، وتجاوبه معها، وعدم السماح لتأريخه الطويل البعيد، وعمره ايضا، بأن يضعا حاجزا بينه وبين الجيل الجديد.. كنت واثقا من نجاح المعلم، منذ الدروس الاولى، ذلك لان طبيعة ذهنه المتفتح باستمرار تضمن له اجتياح كل العوائق، بوضوح وبساطة، وكان حبه العميق الصادق للشباب، ذلك الحب الذي لا اثر فيه للمصانعة، ولا للاستاذية،، ولا لحب التفوق وتأكيد الذات، كل هذه الملامح المتأكدة في شخصيته تهب له القدرة على غرس شتلات الصداقة الحقيقية مع الناس ورعايتها وانمائها. وهنا يتميز مجيد، عن كثير من الادباء والكتاب البارزين المعروفين، الذين يحولون الايحاء للشباب، عندما يجالسونهم، بالفوارق المصطنعة، مؤكدين اهميتهم، عن طريق مايدعى بالتواضع، ان مجيد لم يكن متواضعا، بالمعنى الاعتيادي الذي توحي به هذه الكلمة، لانه لم يكن يفكر بانه ينزل الى مستوى الاخرين.. انه يتصرف ببساطة،، وعلى طبيعته، ولذلك فهو قادر، بيسر ودون تصنع، ان يتعامل ضمن اعمق انواع العلاقات الحميمة مع الناس، سياسيين كبارا، وكتابا بارزين، وشبابا غضا، ومن هنا، فانني اعرف جيدا، اللوعة الحقيقية التي خلفها غياب مجيد المفاجئ والقاسي، في نفوس الادباء والفنانين والصحفيين الذين عرفوه واحبوه، وحتى الذين سمعوا عنه الكثير. لقد ترك (ابو حميد) وهي كنيته التي يحلو لنا جميعا ان نخاطبه بها، فراغا مفزعا في ذاكرتنا جميعا، وترك فراغا اكثر قسوة في ساحة العمل الصحفي والسياسي.. انها ليست كلمة رثاء يا ابا حميد.. فانت في الذاك

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Anonymous

    هل كان شيوعي او قومي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram