اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > أفيون: التبرير السهل بالديـــن

أفيون: التبرير السهل بالديـــن

نشر في: 27 أكتوبر, 2009: 06:17 م

فريدة النقاششأنه شأن رجال الدين الذين احترفوا تكفير المخالفين في الرأي لجأ الرئيس اليمني «علي عبدالله صالح» إلى توجيه الاتهام لخصومه السياسيين في جنوب اليمن بالارتداد عن الإسلام، وذلك هربا من إجراء حوار جدي حول المشكلات التي تواجه البلاد،
 والتي فجرت الاحتجاجات في الجنوب بعد أن تحولت الوحدة الطوعية بين الشطرين في عام 1990 عمليا إلى شكل من أشكال إلحاق الجنوب بالشمال، والإطاحة بالطابع الديمقراطي والشعبي الذي تطلع إليه اليمنيون، وهم ممتلئون شوقا لوحدة حقيقية قائمة على أساس من المساواة والاحترام المتبادل من دون تذويب قسري وقمعي لخصوصيات كل من الشمال والجنوب على السواء، ودون أن تتعلم السلطات درس إخفاق أول شكل للوحدة العربية في العصر الحديث، وهي الوحدة التي قامت بين مصر وسوريا عام 1958. وقد أصبح الاستقواء بالدين من كل الأطراف إلا قليلا سواء من السلطة أو المعارضة آفة في العالمين العربي والإسلامي، ليدمر هذا الاستقواء الحصاد الهزيل لكفاح قرنين من الزمان من أجل بناء دولة حديثة تقوم أركانها على الديمقراطية والمواطنة والقانون والنظام، وعلمانية ينفصل فيها الدين عن السياسة وتحكمها معايير الخطأ والصواب لا الكفر والإيمان، لأن دولة المواطنين لا تفرق بين مواطنيها بسبب الدين أو الجنس أو اللون - أو الطبقة افتراضا - فكلهم سواء أمام القانون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات. وتراجعت في هذا السياق كل منجزات الدولة الحديثة من حرية الفكر والتعبير وحرية الاعتقاد إلى حرية المرأة فقد انهار وضعها ومكانتها رغم الكفاح الطويل ورغم اندفاع النساء إلى العمل والتعليم على نطاق واسع. وأصبح الاستخدام السهل للدين لتركيع الخصوم، أو ما سماه أحد الكتاب التهويش بعصا الدين، علامة ثقافية بارزة في بلداننا، إحياء لذلك التاريخ البغيض لكل الحروب الإسلامية الداخلية الكبرى من الجمل إلى صفين، وكانت السيدة عائشة في هودجها ومسلمون يصوبون سهامهم إليها باسم الدين، ومسلمون آخرون يصدون عنها باسم الدين أيضا، واستخدم كل من الخوارج والشيعة والباطنية لغة التكفير والنبذ من الإسلام واتهموا خصومهم بالخروج عن الدين! وحدث ذلك كله في أزمنة سابقة تجاوزتها الحضارة ، وإحياء هذا التقليد هو عمل مقصود ومخطط تواكب مع انفجار ثروة النفط في بلدان الخليج والجزيرة العربية. ولكي يحمي هؤلاء مواقع نفوذهم وسلطانهم من عشائر وقبائل وأسر - كانت قد اغتصبت الحكم غالبا - لجأوا إلى الاستقواء بالدين وإغراق المنطقة في أكثر أشكاله تقليدية وتزمتاً وعداءً للتقدم وللنساء ولأصحاب الديانات الأخرى وللعصر، حتى أصبحت الجماهير نفسها تتعامل مع كل القضايا بعد إلباسها ثيابا دينية من موقع الحلال والحرام بصرف النظر عن المنطق والخطأ والصواب. وبدا كأن هذه الجماهير قد سقطت في الفخ الذي شدتها إليه نظم استبدادية عائلية فاسدة، لتكون هذه النظم قادرة على قيادة الشعوب وتضليلها وإخفاء الحقائق عنها باسم الدين، وإفقار ثقافتها وتشويه وعيها. ويعرف الرئيس «علي عبدالله صالح» جيدا أن من يواجهونه في اليمن الجنوبي ليسوا كفرة ولا خارجين عن الإسلام، وهو حين يوجه لهم هذه الاتهامات إنما يعلن عن عجزه عن التعامل بصورة سياسية عقلانية وشفافة مع المآل المأساوي للوحدة التي تحولت إلى إلحاق، ولوعود العدالة والديمقراطية التي باتت سرابا. لكن وعياً نقدياً هو ابن التجربة المرة والثقافة التقدمية أخذ يبرز في بعض الأوساط الجماهيرية الأكثر استنارة، فقد انفض جمهور عراقي واسع عن الأحزاب الدينية في الانتخابات المحلية، وتقول استطلاعات رأي جدية أن حماس سوف تخسر كثيرا في الانتخابات العامة القادمة في فلسطين، وأن قادتها يعرفون ذلك ولهذا يماطلون في إجراء المصالحة مع فتح والتوقيع على الورقة المصرية التي جاءت حصادا للوساطة. وقبل أكثر من قرن من الزمان قال المفكر والفقيه العربي «عبدالرحمن الكواكبي» الذي قتله الاستبداد والطغيان: «دعونا ندير حياتنا الدينية، ونجعل الأديان تحكم في الآخرة فقط»، ولعل أصداء دعوته هذه أن تنبهنا للمأزق الذي وقعنا فيه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram