TOP

جريدة المدى > تقارير المدى > بغداد من مقابر جماعية الى قبور مفتوحة

بغداد من مقابر جماعية الى قبور مفتوحة

نشر في: 27 أكتوبر, 2009: 06:55 م

ترجمة: ابتسام عبد الله كانت صورة ظهرت في موقع التايمز والتي جعلت دقات قلبي تتسارع، وتبطل مفعول الادرينالين وتجعلني احس بمذاق شيء صلب لا طعم له في فمي. بغداد مبانيها واشجار نخيلها ملفوفة بالدخان. جالسة عند المائدة في مطبخي استطعت سماع الدوي،
وشم رائحة الدخان في شارع حيفا. مدينة ينفجر فيها الموت بقيت أرقب التلفزيون وهو يبث الخبر المصور عن الانفجارين، حتى أظهرت العدسات رجلاً جريحاً، يغادر الموقع، ذاهلاً وهو يصرف المصورين الذين ارادوا إيقافه، كأنما قناعه الثابت سوف ينزلق وتنفجر أحزانه الكبيرة على الرصيف، انه كان وجه سكان بغداد. بامكاني الحديث عن الاوضاع في مدينة ينفجر فيها الموت عليك في اية لحظة، من سيارة في مرآب، من عربة يجرها حمار، من فرد ملفوف بعباءة، ولكني لا استطيع التحدث عما عليه الحال عندما يكون مكان مثل هذا وطناً لك، ان يتحول بلدك من مكان مقيد بقوانين الى اخر ذو فوضى غير عقلانية. دراسة نفسية قبل اعوام وفي عملي الاول كمراسلة في كمبوديا، رافقت طبيباً نفسياً الى مخيم لاجئين يضم آخر المدنيين الذين بقوا تحت الحكم الاستبدادي للخمير الحمر، لمحاولة دراسة النفسية الكمبودية، والتأثيرات السلبية المختلفة عليها، واكتشف الطبيب ان الاثر الاسوأ في تاريخ كمبوديا لم يكن مرحلة حكم الخمير بل قصف الطائرات الاميركية الذي سبقه فخلال حكم الخمير القاسي كان بامكان المرء، التلاعب مع القوانين الجائرة ، اما خلال الحرب الفيتنامية، فقد كان من الصعب معرفة متى سيسقط الموت على المرء من السماء. فكرت في هذا الامر وانا اتذكر بغداد عام 2003 ، عندما بدأت اولى القنابل تنفجر فيها امرأة تصيح، تشق عباءتها وصرخت في وجهي، وقفت بلا حراك، عند البرك الصغيرة من الدماء واللحم التي تشكلت إثر انفجار سيارة ملغومة. ولولت المرأة: صدام قتل الناس في مقابر جماعية، والان تحولت الشوارع الى قبور مفتوحة ، هذه العبارة اصبحت لازمة ارددها إثر كل انفجار. ان عشوائية القنابل الانتحارية افسدت نظام الكون، فوضى حقيقية تحكمه الان، وحتى عام 2005، كان الغربيون يصطادون بالقتل او يخطفون ، ولكن صديقة اميركية لي تعمل في المساعدات الانسانية، قتلت في انفجار انتحاري لم تكن ابداً مقصودة به. سرقة المخدرات من الصيدليات وهناك خرافة تقول ان الناس الذين يعيشون في مناطق الحرب يعتادون المجازر، الامر غير صحيح ، ففي نهاية عام 2005 ، اعلنت وزارة الصحة في العراق انه بعد دراسة نفسية استرشادية وجدت ان 90% من البالغين في بغداد يعانون القلق والتوتر إثر التجارب التي مرت بهم في الحروب، ومن الف شخص ، يتبين ان (890) منهم قد شهدوا بشكل مباشر موتا اثر اعمال عنف، ومن بينهم (27) طفلاً تحت سن الـ (12) وتلك الدراسة تدل على مدى تماسك وتشابك مؤسسات بغداد المكافحة بماضيها عندما كانت مركزاً للعلوم. ولكن المحاولات للتغلب على المشاكل جاءت قليلة، فأكثرية اطباء وعلماء النفس قد غادروا البلاد. ومن دون وجود مساعدات وعلاج من قبل المختصين فان الحالة تتفاقم ، وكان الاختيار في بغداد الاتجاه نحو المخدرات ، وفي مدينة الصدر وهي افقر الاحياء، هاجم اناس احدى الصيدليات وسرقوا ما وجدوا من مخدرات لعدم وجود نقود لديهم. بغداد تتحول إلى أحياء طائفية وفي عام 2006، ازدادت المذابح حجما مع العنف الطائفي، مضافاً الى ذلك السيارات المفخخة، وازدياد حالات الخطف والقتل والتعذيب والاغتيالات بواسطة سيارات عابرة، وتواصلت العشوائية ولايعرف المرء متى يقتل ومن أين تأتي الضربات، وسرعان ما بدأت بغداد تدريجياً تتحول الى احياء طائفية، وبناء جدران ضدها ، من اجل السيطرة عليها. اربعة ملايين غادروا الوطن هذا التقسيم لايذكر الا نادرا من قبل اولئك الذين يتحدثون عن سلسلة العنف الدراماتيكي، وبعد ان اصبحت كل طائفة داخل جدرانها الاربعة، لم يتبق لها من تقتل، ولكن الناس ما زالوا يقتلون في بغداد، وبالمئات. وقد غادر العراق منذ عام 2003، اربعة ملايين شخص ، ولم يعد الا القليل منهم. والمذبحة الاخيرة في يوم الاحد ستذكرهم بالسبب الذي جعلهم يغادرون الوطن، وفي بيوتهم الجديدة يجلسون متوترين يشاهدون التلفزيون وكأنهم قد عادوا اليه، وكأنهم قد فقدو السيطرة على انفسهم من جديد. عن التايمز

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

التغير المناخي في العراق يعيق عودة النازحين لمناطقهم الأصلية.. متى تنتهي المعاناة؟

التغير المناخي في العراق يعيق عودة النازحين لمناطقهم الأصلية.. متى تنتهي المعاناة؟

متابعة/المدىرأت منظمة "كير" الدولية للإغاثة والمساعدات الإنسانية، إن التغير المناخي في العراق أصبح عائقاً أمام عودة النازحين لمناطقهم الأصلية.وبحسب دراسة أجرتها منظمة كير الدولية للإغاثة والمساعدات الإنسانية، فبعد ان كانت المعارك والاوضاع الأمنية في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram