سعاد الهرمزي: -منذ عرفته في عام 1948 وهو فنان مختلف في فنه ومخالف في طريقة ادائه و(متخلف) في نظر الطغمة الحاكمة في ذلك الوقت طويل القامة. مليح الطلعة، ذو حاجبين كثين يتهدلان على عينين شديدتي الذكاء، تزين عنقه وردة سوداء لم يتخل عنها قط فهي علامته الفارقة وشارته المميزة مبتسم دائما ضاحك احيانا، ساخر من كل شيء حوله،
ولم يستثن حتى نفسه من تلك السخرية وكأن لسانه يقول عليّ وعلى اعدائي يارب وكان عدوه –المفضل- الذي يشنع عليه ليل نهار هو الاستعمار البريطاني صاحب اللقب المعروف – ابو ناجي- بين اوساط العامة. وعزيز علي ودود عندما تكون ودودا معه، ومشاكس عندما يحس انك لاتضمر له الخير، احبك ان احببته وكرهك ان كرهته، يقترب منك اذا اقتربت منه، ويبتعد عنك اذا ابتعدت عنه. واناقة عزيز علي متطورة على قامته الممشوقة وشعره الاسود المصقول مرسل الى الخلف ولا يمكن ان يتهدل ولو مرة واحدة.. اما حركات يديه وتعبيرات وجهه وايماءات نظراته فهي تتوافق تماما مع لون المونولوج الذي كان يغنيه.. عزيز علي متفرد في انتزاع البسمة من الشفاه. كان بعض الحاقدين على عزيز علي يقولون ان اقواله ليست من تأليفه وان البعض يؤلف له منولوجاته والبعض الاخر يلحنها له ولكن هؤلاء لم يقدما لنا من كان يضع له اداءه.. وسواء صحت هذه الاقوال ام لم تصح فقد كان عزيز علي متفردا في انتزاع البسمة من الشفاه والفرحة من القلب والبهجة من الفؤاد. اختلف معه الكثيرون في طريقة تفكيره في فهم الفن واساليبه وان –بالقوة- على الاجهزة الفنية وفي مقدمتها الاذاعة وكان مخالفا للكثير من مطربي المقامات ذوي السمعة والشهرة. اما شعاره الدائم فهو – الفن للحياة لا الفن للفن- كما كان يحمل افكارا جديدة في تطوير العمل الاذاعي بشكل عام في تطوير الموسيقى بشكل خاص. معان سياسية في اغنياته كان عزيز علي يغني غير ما يغني الاخرون ويكتب اغانيه بنفسه بمعان تخرج عن اطار الاغنية العاطفية الى معان سياسية لاذعة لا تخفي على من يستمع اليها. كان عزيز علي يؤدي اغانيه مباشرة على الهواء قبل ان تعرف اجهزة التسجيل الصوتية وكان المسؤولون في الاذاعة يتابعون اذاعتها وايديهم على قلوبهم خشية ان يخرج عزيز عن النص ويدخل فيها كلمات لم ترد فيها قد تطول احد المسؤولين في ذلك العهد وقد شهدت بحكم عملي في الاذاعة في ذلك الوقت ان مسؤولا قد وقع على مونولوج كان سيغنيه عزيز في احدى حفلاته الغنائية وهو يقول له (اوقع على هذا المونولوج على مسؤوليتي وانا غير مقتنع به ولكن اياك ياعزيز ان تضيف اليه شيئا آخر) ولم يكن عزيز علي بحاجة الى تغيير اي من مونولوجاته، فقد كانت جميعها حافلة بالغمز واللمز ذات المعنى ونقد الاوضاع التي كانت سائدة في ذلك العهد. وهكذا فان هذا الفنان المخالف ظل مخالفا فترة طويلة قبل ان ينتهي دوره في المونولوج الانتقادي. كان لعزيز علي كثير من الخصوم في ذلك العهد وكان لايهمه ان رضي فلان او لم يرض.. ودائما يرفع شعاره الذي لم يتنازل عنه في يوما ما –خالف تعرف- وان كان المعنى هنا يختلف، فهو يخالف لا ليعرف بل ليعرف الناس. بمن تأثر عزيز علي؟ عزيز علي تأثر باثنين من كبار المنولوجست او (القوالين) احدهما السوري (سلامة الاغواني) والثاني (عمر الزعني) وكانا في الثلاثينيات من هذا القرن يثيران ضجة كبيرة في الاوساط السياسية والفنية في الاقطار العربية وعلى نهج هذين (القوالين) في الانتقاء الحر والسخرية اللاذعة نهج عزيز علي وطار صيته في بلده عاجزا عن تخطي الحدود الى الاقطار العربية الاخرى بسبب ان الفن العراقي كان اقليميا بحتا في الوقت الذي خرجت الاغنية العربية في مصر وسوريا ولبنان وفلسطين الى آفاق ارحب بما لديها من وسائل الانتشار كالراديو والاسطوانة والسينما. ان عزيز علي واحد من اعاظم المونولوجست في الوطن العربي، وهو الى جانب الاغواني والذعني رائد من رواد المونولوج الفكاهي الملتزم، ولافضل لهما عليه الا في جانب التحريض على ان ينحو المنحى الذي نحاه في حياته الفنية.. وعزيز علي بعد ذلك- تاريخ في سفر الفن العراقي وسيبقى هذا التاريخ محفوظا له في درج الذكريات والمذكرات. ظاهرة لم تدرس بعد الظاهرة التي يمثلها الفنان عزيز علي في الاغنية العراقية ظاهرة لم تدرس بعد، ولم يتح لها ان تمتلك ابعادها الحقيقية في المناحي النظرية والعملية والفنية والاجتماعية والنفسية لان عزيز علي لم يكن يحمل اسما له مواصفات فنية معينة، انما كان ومازال يشكل تيارا لم يتح للغناء العراقي قديمه وحديثه، ان يحتضن مثل هذا التيار، الذي كان ولاشك وليد عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية وفلسفية. واجد من الواجب تحديد معنى كلمة (مونولوج) في فن عزيز علي، فنظرة تاريخية بسيطة تؤكد ان فن المونولوج انتقل الى لبنان وسوريا عن طريق الاغنية الفرنسية المتعددة الاغراض والمتنوعة النوايا، مع اسم الفنان اللبناني (عمر الزعني) والفنان السوري (سلامة الاغواني) كظاهرتين اجتماعيتين انتقاديتين الى جانب خطهما السياسي الواضح القسمات، من خلال ما قدماه من منولوجات انتقادية ووطنية كانت الاثر المباشر في سجنهما وتشريدهما من قبل سلطات الانتداب الفرنسي، ذلك ان فن المونولوج في سوريا ولبنان وفلسطين والار
عزيــز علـي
نشر في: 28 أكتوبر, 2009: 05:10 م