حازم مبيضين مثلما كان متوقعاً وبالتمام والكمال فاز الرئيس الأبدي زين العابدين بن علي بولاية خامسة، وبالأرقام المعروفة التي يرفض الرئيس وحزبه أن تقل عن 90% ، فمهندس التغيير المتمسك بكرسي الرئاسة منذ اثنين وعشرين عاماً يعتقد أن الشعب التونسي لا يستطيع الاستغناء عن خدماته،
أو انه سيكون شعباً يتيماً إن هو قرر التقاعد بطوعه واختياره، وهو الذي استولى على الحكم من سلفه الحبيب بورقيبة بانقلاب قصر استغل فيه موقعه كقائد للاستخبارات العسكرية لإطاحة قائد الاستقلال، وإعادة الأمر إلى الشعب ليقول كلمته، وسن دستوراً جديداً ينص على أن من حق التونسي حكم البلاد لفترتين رئاسيتين فقط، لكنه مزق ما شرعه، وأباح لنفسه الحكم إلى الأبد. سيقول مؤيدوه إنه في عهده باتت تونس نظيفة، وأن كل مساكنها مزودة بالماء والكهرباء وان فيها شبكة من الطرقات والمطارات والخدمات الفعالة. وأن 80% من السكان يملكون سكنهم، والجميع تقريبا يحصلون على التعليم والصحة، والنساء لديهن الحقوق نفسها كالرجال باستثناء الميراث، لكنهم يتناسون أن ذلك يأتي في إطار التطور الطبيعي، وهم يتجاهلون نسبة البطالة التي تزيد عن 14% والرواتب التي يقف حدها الأدنى عند 130 يورو، ويتناسون أن الوصول إلى أي مكسب أو حتى حق من حقوق المواطنة يعتمد على المحسوبية، وأن الانخراط في صفوف الحزب الحاكم حتمي للاستفادة من وظيفة، أو منحة أو حتى رخصة بناء. أما الذين يناصبونه العداء او حتى يضعون أوراقا بيضاء في صندوق الاقتراع، فأنهم يحدثونك عن سيطرة العائلة على كل البلاد. وهم هنا يتحدثون عن عائلته وعائلة زوجته، والأصهار الذين يشكلون عُصبة عائلية تتضخم باستمرار وتسيطر على ثروات البلاد. لا ننكر أن تونس شهدت نمواً واضحاً في العقدين الأخيرين، لكن من المهم معرفة أن المواطنين لم يستفيدوا من ذلك النمو بطريقة عادلة، وبن علي يتدخل بذكاء عندما يصبح الاختلال واضحاً، فيرفع الرواتب مثلاً بصورة تمنع تفاقم الأوضاع، لكنها لا تحل المشاكل بشكل جذري، وهويدرك أن جيرانه الأوروبيين قانعون بديمقراطية شكلية في بلاده، أما حقوق الإنسان فـطرفة يتناقلها التوانسه، والطلبة مهمشون والتعليم في أدنى مستوياته، والنجاح يمر بالمال لا بالدراسة. السلطة التونسية البن علية تخاطب الغرب باستخذاء، مدعية أن هناك تقصيراً في نقل الصورة الحقيقية إلى الخارج، وأن الديمقراطية ما تزال في طور النشوء، ولا تستحق السلطة التعامل بكل هذه القسوة، وتحت هذه المقولات يستمر التضييق على المدافعين عن حقوق الإنسان، وتستمر الاعتداءات بالضرب وسط الشارع، وملاحقة الصحفيين بمن فيهم الأجانب على مدار الساعة، والمنع التعسفي من مغادرة البلاد، ومراقبة خطوط الهاتف والسطو على البريد الإلكتروني، ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فهناك حملات تشهير تشنها صحافة السلطة على كل صوت معارض، فهذا النائب "باع مبادئه وفاسد"، وذلك الزعيم الشيوعي "وغد مدعٍ"، ورئيس تلك الرابطة التي تدافع عن حقوق الإنسان "مدمن على المخدرات"، أما تلك المرأة، التي كانت من قلة من النساء تجرأن على دخول السياسة، فهي ببساطة "عاهرة ساقطة". يستمر كل ذلك.. ويستمر بن علي رئيساً.. ويستمر التونسيون بدفع الثمن وهم ينتظرون الخلاص.. ويستمر انتهاك الديمقراطية والحرية الفردية وحقوق الإنسان في تونس الخضراء التي تستحق أفضل من هذا بكثير، ويظل أن على زين العابدين التحسب من رئيس استخباراته ما دام الشعب غير قادر على الإفصاح عن موقفه.
خارج الحدود: وينجح بن علي للمرة الخامسة
نشر في: 28 أكتوبر, 2009: 06:07 م