TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > الافغاني..والاتجاهات الحديثة في التفسير

الافغاني..والاتجاهات الحديثة في التفسير

نشر في: 30 أكتوبر, 2009: 05:31 م

د.عبدالجبار الرفاعيلم يستأثر كتاب من الكتب السماوية باهتمام اتباعه مثلما استأثر القرآن الكريم، فقد كان القرآن ولما يزل هو المنهل الذي استقت منه المعارف الاسلامية بأسرها، حتى ان العلوم الاسلامية بمختلف حقولها، فضلاً عن الدراسات الخاصة بالقرآن، تلتقي بمجموعها في العودة الى النص القرآني والاستناد اليه في بيان مفهوماتها، أو الاستدلال عليها،
آفاق التفسير أو تبريرها وشرعنتها من خلال تقويل هذا النص وتأويله ولهذا كانت الكتابات في حقول التفسير وعلوم القرآن والدراسات القرآنية من أغزر الحقول التي تعاطاها المؤلفون والدارسون على مر العصور(1)،فربما لا نجد احداً لم يسهم بذلك على الاقل ولو برسالة صغيرة، مهما كان اهتمامه وتخصصه، بل سعى الكثير من الباحثين القدماء الى اكتشاف أو خلق وشائج عضوية بين مختلف المعارف والقرآن الكريم، وهذا ما نلاحظه بجلاء في التفسير خاصة، فان المتكلم حاول ان يحوِّل النص القرآني الى نص كلامي ويسقط عليه قوالب التفكير الكلامي، وهكذا فعل الفيلسوف، والفقيه، والمحدِّث، والبلاغي، والصوفي والعارف، وغيرهم، فأضحى التفسير ميداناً واسعاً تتمظهر فيه تيارات الفكر الاسلامي في مختلف العصور، وصار النص القرآني يتشكل في وعي الباحثين في صور مختلفة، ويتلون فهمه بألوان متنوعة، تبعاً لتنوع البيئة والمحيط الخاص للمفسر، ونمط ثقافته واهتماماته، وذوقه الشخصي. فقاد ذلك الى تنامي ركام هائل من التأويلات والانطباعات الذهنية، والثقافات السائدة في مختلف الأزمان، في مدونات التفسير، بنحو باتت فيه هذه المدونات مرآة للعصر الذي أُلفت فيه، تحكي همومه وتطلعاته، وآماله، وتصوراته، وتصوّر قضاياه ومسائله بمختلف أبعادها. وربما اغرق البعض مدلولات الآيات بمفاهيم لا تتصل بأهداف القرآن وتتنافى مع وظيفته، فاستحالت آياته الى ملتقى للعلوم الغريبة، «حتى آل الأمر الى تفسير الآيات بحساب الجمل ورد الكلمات الى الزبر والبينات والحروف النورانية والظلمانية وغير ذلك»(2) حسب تعبير العلامة الطباطبائي، وهام البعض وغاص بباء البسملة وصاد الصراط(3)، حسب قول السيد جمال الدين الحسيني المعروف بالافغاني. القرآن يفسره الزمان يتفق المصلحون من علماء الامة في العصر الحديث على ان ايقاظ الامة واستنهاضها لن يتحقق من دون العودة الى القرآن الكريم والتمسك به، ويشدد هؤلاء العلماء على ضرورة وعي القرآن وعياً جديداً يتحرر من ترسبات التأويلات المتنوعة التي حجبت النص القرآني، وحالت بينه وبين انارة وجدان المسلم. وقد وجد هؤلاء المصلحون ان دعوتهم لاعادة النظر في تفسير القرآن، والعمل على صياغة تفسير حديث يبررها ـ مضافاً الى ما تقدم، من اصطباغ التفسير وتلونه بالأفق الذهني للمفسر ـ ان الأُطر التقليدية للتفسير لا تتسع لتحولات العصر ومستجداته واستفهاماته، والقرآن كتاب لا يختص بزمان دون زمان، ولا يُعنى بمشكلات قوم دون سواهم، «لأن الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غض الى يوم القيامة»(4) كما قال الامام الرضا عليه السلام. كما ان المكاسب التي جناها العلم الحديث في اكتشاف عالم الطبيعة، والتعرف بصورة ادق على سنن النفس والمجتمع، وتطور البحث في مجال علم اللغة والدلالة، ستساهم في التعرف على مداليل آيات القرآن بصورة أجلى وأدق، لأن القرآن الكريم يهدف الى البناء الأمثل للاجتماع البشري، ولذلك يعالج في مساحة واسعة منه سنن هذا الاجتماع، فيلتقي القرآن مع العلم في بلوغ النموذج السليم للاجتماع البشري(5) مضافاً الى ان معطيات العلم يمكن توظيف بعضها، خاصة العلوم الانسانية، في استكناه شيء من مداليل النص القرآني. وبتعبير آخر ان بموازاة كتاب الوحي القرآني هناك كتاب ثاني هو كتاب الطبيعة الذي يتضمن ظواهر الوجود الكوني كافة «فالقرآن العظيم والكون البديع كلاهما يدل على الآخر ويرشد اليه، ويقود الى قواعده وسننه، فالقرآن يقود الى الكون، والكون ايضاً يقود الى القرآن»(6)، وهذا يعني وجود تناغم واتساق بين نواميس الطبيعة وسنن الاجتماع البشري من جهة ومعطيات القرآن الكريم ومدلولاته من جهة اخرى، وان الابعاد الغائبة والمداليل الخفية في كتاب الوحي ستتجلى بالتدريج تبعاً لما يتجلى في كتاب الكون وما يزخر به من ظواهر، ولعل في الحديث المنقول عن ابن عباس «ان القرآن يفسره الزمان»(7) ما يشي بهذه الحقيقة. غير ان ذلك لا يتحقق وفق عملية دمج تبسيطية، مثلما تفتعل ذلك بعض الكتابات التي تبالغ في توظيف معطيات العلم وفرضياته، وتسعى لقراءة النص القرآني قراءة عاجلة، تسرف في الافتراض والشطط، وانما يتوقف ذلك على اكتشاف «العلاقة المنهجية بين الناظم المنهجي لآيات القرآن من ناحية، وبين السنن والقوانين المبثوثة في الوجود من ناحية ثانية، مع الناظم المنهجي الذي يربط بينهما»(8). روّاد الاتجاهات الحديثة يتفق الدارسون على ان السيد جمال الدين الحسيني المعروف بالافغاني كان اول من دعا الى اعادة النظر في مناهج التفسير القديمة، ومهَّدَ للاتجاهات الحديثة في تفسير القرآن، لان مشروعه الاحيائي استند الى القرآن كمرجعية يصدر عنها في دراسة واقع المسلمين، والتبصر بمشكلاته

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram