عبد الله المدني لطالما ردد المسؤولون الباكستانيون، ولاسيما العسكريون منهم، أن ترسانتهم النووية في مأمن من ضربات القوى المحلية المتشددة، مقللين في الوقت نفسه من احتمالات وقوعها في أيدي هؤلاء، ومدعين أنها تتمتع بسياج أمني ومخابراتي محكم لا يمكن لكائن من كان الاقتراب منه!
ما ردده المسؤولون الباكستانيون، قالته أيضا الإدارة الأمريكية الحالية على لسان وزير خارجيتها "هيلاري كلينتون" حينما أعربت عن ثقتها بأن السلاح النووي الباكستاني ما زال تحت سيطرة إسلام آباد، وان كانت هناك أصوات كثيرة داخل الكونغرس الأمريكي ترى العكس، بمعنى أن باكستان وقوتها النووية باتت قاب قوسين أو أدنى من السقوط في براثن المتطرفين والإرهابيين. غير أن التطورات الأخيرة التي وقعت في هذا البلد المضطرب وغير المستقر منذ ولادته ككيان مستقطع من الهند البريطانية في عام 1947، ونعني بتلك التطورات تجرؤ عناصر النسخة الباكستانية من حركة طالبان الأفغانية المتطرفة في يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على ضرب مقر القيادة العامة للجيش الباكستاني في "راوالبندي"، ونجاحها في احتجاز عشرات الرهائن من عناصر الجيش النظامي من بعد معركة دامية في وضح النهار سقط خلالها العديدون بمن فيهم ضابط باكستاني برتبة جنرال، يعني أن المشهد الباكستاني مفتوح على كل الاحتمالات، بما في ذلك احتمالات سقوط القدرات النووية في أيدي الجماعات الميليشاوية المتشددة، الأمر الذي لو حدث لكان مقدمة لسقوط الدولة الباكستانية ودخول كامل منطقة جنوب آسيا في دوامة دامية مظلمة لا يمكن التنبؤ بدقة بتداعياتها على العالم المتحضر. اللافت في هذه التطورات هو أن حفنة صغيرة من الميليشيات الأمية نجحت في مداهمة مقر جيش لطالما نظر إليه بأنه أحد أكفأ جيوش الشرق الأوسط وأكثرها انضباطا ومناقبية وتقاليد عسكرية بفضل ما رسخه الإنجليز فيه منذ زمن استعمارهم لشبه القارة الهندية، بل أكثر جيوش المنطقة أيضا لجهة القدرات الاستخباراتية بفضل ما أغدقه الغرب عليه خلال سنوات الحرب الباردة من أنظمة متطورة ومعونات وبرامج تدريبية. الأمر الآخر اللافت للنظر هو أن عملية 11 أكتوبر لم تتم على يد منتمين إلى حركة طالبان الباكستانية من إقليم وزيرستان المضطرب أو ما جاوره من مدن معزولة، وإنما تمت على يد طالبانيين ينتمون إلى إقليم البنجاب المحاذي للهند. فإذا ما عرفنا أن هذا الإقليم وحده يزود الجيش الباكستاني بأكثر من نصف إجمالي منسوبيه، لثبت أن هناك اختراقاً حقيقياً في صفوف رجاله وأجهزته. ثمة ملاحظة أخرى لابد من الإشارة إليها في سياق هذا الموضوع هي أن المهاجمين تمكنوا – من خلال استئجار منزل مواجهة لمقر قيادة الجيش الباكستاني - أن يرصدوا أشكال وأساليب تحصين المقر ومواعيد فتح وإغلاق بواباته ونظام تغيير حراسته على مدى أكثر من أسبوع – دون أن يتمكن الجيش الباكستاني أو مخابراته من اكتشاف ما يدبر له إلا بعد فوات الأوان، حيث عثرت الأجهزة الأمنية لاحقا في المنزل المستأجر خرائط لاماكن ومواقع عسكرية حساسة وصواعق تفجير وملابس عسكرية مطابقة لتلك التي يرتديها ضباط وجنود الجيش الباكستاني. لقد كتب الكثيرون من المعلقين العرب على هذه الأحداث شجبا أو تصفيقا بحسب الأيديولوجيات والأفكار التي يتبنونها، لكن ما لفت نظري تحديدا هو مقال (عمود) كتبه أحد رجال الدين الشباب في صحيفة عربية صادرة من لندن. في ذلك المقال نفى كاتبه صفة الإرهاب عن حركة طالبان بنسختيه الباكستانية والأفغانية قائلا بالحرف الواحد " طالبان لم تكن حركة إرهابية حين نشأت ولا أظن أن غالبية أتباعها في الوقت الحاضر إرهابيون"!! وفي هذا القول الكثير من ليّ عنق الحقيقة لأغراض خاصة بالكاتب وحده الذي قفز فوق كل ما هو موثوق ومعروف عن ظلامية هذه الحركة وما اقترفته بحق الشعب الأفغاني على مدى ست سنوات من حكمها البائس من إرهاب وتعذيب وإقصاء وجلد وحرمان من ابسط الحقوق الآدمية، ثم ما اقترفته من جريمة باحتضان ودعم وتدريب العناصر الإرهابية كافة سواء من جنوب شرق آسيا أو جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق أو الصين، أو من الشرق الأوسط وأوروبا، وعلى رأسها بطبيعة الحال عناصر تنظيم القاعدة المجرم. ناهيك عما اقترفه أنصارها داخل باكستان من مجازر في وزيرستان والمسجد الأحمر في إسلام آباد أو بحق الأقلية الشيعية الباكستانية أثناء ممارستهم لشعائرهم الدينية الخاصة داخل مساجدهم. أما حجة الكاتب الذي وصف ذات يوم بالوجه الإسلامي المعتدل الذي أرسل إلى العاصمة البريطانية لنشر ثقافة الاعتدال والوسطية وحوار الحضارات وإنقاذ مسلمي المهجر البريطاني من ذوي الأصول الآسيوية من خرافات وغلو أئمة محتالين من أمثال اللبناني عمر بكري فستق، أو المصري "أبو حمزة المصري" أو الباكستاني "كليم صديقي"، فهي أن طالبان لم تلجأ إلى الإرهاب والعنف والعناد إلا كرد فعل على ما تقوم به القوات الباكستانية بمؤازرة قوات التحالف من عمليات عسكرية في وزيرستان وغيرها، أو كما كتب حرفيا " الحركة فيما يبدو تتعارك ثأريا مع الجيش الباكستاني بسبب تعاون الجيش مع قوات التحالف في حرب حركتها في
من هناك:ماذا بعد مهاجمة مقر قيادة الجيش الباكستاني؟
نشر في: 30 أكتوبر, 2009: 05:59 م