وارد بدر السالم في ظل العولمة الأمريكية والديموقراطيات المسلحة والإيديولوجيات المختلفة. وفي ظل مسلمات دولية يفترعها الاقتصاد الحر والتجارة العالمية، وبموازاة ثورة الإتصالات العملاقة التي رسمت بيانات جديدة في العلاقة الدولية من زواياها المختلفة،
باتت ثقافتنا العربية في مفترق طرق وهي تواجه هذا النوع المدجج بتكنولوجيا الحداثة والاستعمار السياسي والحروب القاتمة، وبات رهانها القديم يتأرجح على كف عفريت مدجج بالصواريخ وأزرار الدمار الشامل؛ وليس من شك إن موقف المثقف العربي بات هو الآخر حرجاً وفي دائرة الضوء الاجتماعية في أقل تقدير. فالسياسي الذي بدا يتغلب من مواقعه المنظورة وغير المنظورة على حساب الثقافي، بات هو الحالة الأكثر اشتباكاً مع المجتمع، بل الأكثر مضاء في ترتيب اللون الاجتماعي طبقاً لصبغته السياسية. فالواقع المعرّض للأخطار الجسيمة، من غزو فكري وإعلامي وعسكري وإيديولوجي متطرف، يجعل هذا المثقف على الخط الأحمر في مواجهة هذا الكم الهائل من الضغط اليومي، فمن المشكلة الفلسطينية المعقدة الى احتلال العراق، الى الوجود العسكري والاستخباري، الى الصراع الفكري والإيديولوجي الملتحم مع القوة العسكرية، الى السياسي المتنفذ بكامل إسناداته السرية والعلنية؛ سيبقى المثقف العربي في أزمات متوالية، تتصاعد وتزداد تعقيداً؛ ولا شك أنه امتحان صعب ومؤثر في دوره الإنساني والاجتماعي في مثل هذه التحولات الجذرية. ومع هذا علينا أن نتفاءل الى حد ما بأن الدور الثقافي يجب أن لا يقع في بؤرة السياسي وأن لا يكون تابعاً له. تاريخياً ظل المثقف العربي وراء السياسي. وواقعياً كان الثقافي هو الصوت الأعلى في المجتمعات. فالسياسي مرحلي والثقافي دائمي. السياسي مخاتل والثقافي إبداعي. واذا كان السياسي واقعياً الى درجة نافذة، فإن جمالية الثقافي هي الخيال اللامتناهي. فليس المطلوب من الثقافي أن يكون كالسياسي في تقديراته للأمور العامة،وتكون كلماته شعارات ولافتات، فهذا من صُلب السياسي لأنه مرحلي، مراوغ، خصوصي التفكير والنظر الى الحياة،جاف،لا يرى الحياة إلا جزءاً منها. على أن الثقافي هو الأعلى مرتبة في تقديراته ونفاذ بصيرته، بمرونته ولغته ورموزه وتجلياته الإبداعية المختلفة. المثقف هو الصوت العالي؛ أو هكذا ينبغي أن يكون؛ لا في ميدانه حسب، إنما في شموليته الكبيرة التي تغطي أطياف المجتمع، وتخلق له توازناته المطلوبة، والضمير الجمعي هو وحده مَن يقدر على فرز (لكنة) الأصوات الكثيرة والمتكررة في كل عصر وزمان..على أن السياسي يبقى في ميدانه ولا يملك غير شعاراته. المثقف، في أي مكان وزمان؛ هو الصوت الوحيد الذي يتوجب على الآخرين أن يفهموا لغته.. بل حتى رطانته! waridbader@gmail.com
توقيع.. الثقافي والسياسي
نشر في: 31 أكتوبر, 2009: 06:12 م