فيصل ابراهيم المقدادي ان الاحتفاء بموضوع (مقهى المعقدين) و(ليالي الانس) تعتريه احيانا احاديث مجتزأة تتقارب وتتفاعل وتتمدد وتتقلص حسب المعلومة وتفسير صاحبها وفهمه لمنطق معاني الاشياء في اشاراتها وتميزها في التضمينات الابداعية وما بدا انذاك اشد جرأة واكثـرها مغامرة في البوح، لذا اصبح من الاهمية بمكان الحديث عن بعض المكنونات في افئدة (المعقدين) بشكل رؤى ومعاناة لادباء ما كانوا يطمحون الى النشر او الادلاء بابداعاتهم من على المنابر الرسمية
لذا بقيت نتاجاتهم تدور وسط مرتادي ورواد واصدقاء مقهى: (المعقدين) وكازينو: (ليالي الانس) واكثـرها ضاع وسط مشادات وسجالات حادة تركت بعضها ممزقة على الطاولات او تلفت بعد رمي الحقائب اليدوية بدجلة... وما تبقى منها وبمحض المصادفات انما لاهتمام: (سلمان الاسود) بتلحين وغناء بعضها.. للمعقدين حينذاك.. واذا ما تركنا جانبا المعقد الاول: (الشاعر عبدالامير الحصيري) لدراسة اعمق من قبل اقرب اصدقائه.. سيكون حديثنا عن الشاعر: (وليد جمعة المشهداني) وهو الابرز في الاثارة بطريقة تعامله مع اللغة الشعرية وصورها بابلغ الدلالات متموجة بحيوية نهر قصيدة.. وحتى حين تتشتت فهي تشد الى تشكيل فعال محسوس ومثير في آن واحد وقد يكون لبعض قصائده وقع اخر.. يدعونا لفهم ظاهرة: (التعقيد والمعقدين) انذاك بما تكتنزه من انفعال يعالج صور افكاره المختلفة المستوحاة من تعقيد الحياة نفسها.. ومن حضور (للغة التفجير) التي ميزت الموجة الادونيسية.. (خذ هذا الكف واستمطر شجر الدنا وتحزب للطلقة حين يكون القذف وجها محجوب الرؤى فيا وطنا في القلب اعطيتك روحي فاعطني الدرب لكي تهدأ جروحي للحب وللغبطة شجر وسكوت فارسم في الطلقة وطنا سيموت) وبعض صور القصائد تنقلنا الى اجواء المواقف السياسية والفلسفية.. لتخلق متعة الموقف والدهشة والحضور الفكري بتعابير مكثفة مختصرة وقوية ففي قصيدة: (جلد السلحفاة) يكون الايقاع بحضور الرؤية الخاصة نثرياً في شكلها تحمل دفقات شحن شعرية دون التقيد بوزن او قافية فهي شعر حر قد تختلف في طول اسطر صورها بما يتوافق والمضمون او الصورة: يحمل الحب مراسيم غوايا والتماسات قبول عندما يصبح وضعا قائما.. تعتاده انت يا ضدا على كل اللوائح * انه يسقط في القلب حكاية عن نهارات يصب التوق فيها لوعة التوق الرضية وجسور اللغط الموتور تمتد الى المعشوق ليلا وتمد الشارع المكتظ بالاشياء حيث الذاكرة ثم لا تقدر ان تدعس غير الكبرياء العابرة * انت ما زلت غرير الخطو يا قلبي في هذي الدروب فابتعد ليس لك الحب.. وجرب لعبة اخرى صغيرة واندلق من دورق الصد وغامر ثم عد ومتى ما شئت التمّ على نفسي وامسي صدفة واداري عتعتات الشجن الناغر بالسخرية الحمقاء مرة وباسفار الصماخ الفذ في الحجرة مرات اخر عابرا درب الزمان الكهل منفيا الى بقعة شمس مظلمة حيث لا يقدر هذا الوجد ان يسرق مني سلحفاتي الهرمة) ان التعبير الحر هو النموذج الحي لما كان يعانيه جيل كامل ويبدعه (المعقدون) في مقاهيهم البغدادية باشكال نفسية لا واعية متمردة بالرغم من قساوة الغربة الممتلئة بالوجد الحار والشاعر لا يكتفي بممارسة لعبة الصياغة البنيوية بل بمضمونها التحريضي معبرا بذلك على وطأة الحياة وثقل ما كان سائدا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.. كما ان محاولة تأسيس ما يميز وحدات وعناصر القصيدة الشبيهة بالبيان الثوري للتمرد على ما كان سائدا: (اخذ جرح الوطن مرة وتعال هنا وارسم جنح عصفورة علينا وكول الدنيا مشمورة جناح هنا وريش هنا وخريطة مسودنة بحبنا اللي ما شفناه ولك كون الوطن ورده لشتلها على جتافي اخذ مني جفافي وروح.. لا اني ولا انت اخذني وروح بالسكته بلكي تسكت السكتة ونصرخ.. والوطن رده..!) وحين يحاول: (وليد جمعة) ان يغمس صورته الشعرية بعامية (الشوغات) و(العشك).. (بتشمير الجراح).. و(ضياع السلاح) انما يجاهر بوعي حلمه خاصة (قبل وبعد) نكسة حزيران عام 1966-1967م ثم وصول حزب البعث ثانية لسلطة العراق عام 1968م وما اثخنه من جراح الادباء والفنانين انما يشكلها بمهارة مؤسسا عوالم قصيدته الشعبية بديناميكية فعالة لتكون في النهاية: (خيمه بليل متغرب..): (حبيبي شال لي جنحاته وشمرلي بليل شوغاته وكال العشك شال وشاب وطلعت اله شيباته وبعد كل الحجي الساكت لكيته مشمر اجراحه فاتل وضايع اسلاحه ولجن الكلب يحبيب طفل اشكر على اجتافي وتعال وصير يحبيب خيمة بليل متغرب واكعد واجرع الدمعة على جرح الوطن متكلي منو مثلك طك ونسى شوغاته) ان اكثر الابداعات الادبية للمعقدين في مقهاهم انما كانت تهدف بالدرجة الرئيسة الى محاولة الحوار الحر والمستفيض حول علاقة الادب (الشعر بالذات) مع الفسلفة واللاوعي في اسسه الايديولوجية والفنية يذكر ان تلك الابداعات قد جسدت وبشكل طبيعي مختلف المسارات متمثلة باشخاصها: عبدالقادر الجنابي باتجاه: (السريالية) وعبدالامير الحصيري.. (اللازوردية) في ذاكرة عزيز السيد جاسم وفاضل العزاوي ووليد جمعة وعبدالرحمن طهمازي وخالد الشطري ومنقذ شريدة وشريف الربيعي ونبيل ياسين وعلي الجبوري وفيصل لعيبي وجليل حيدر وحسين الحسيني ومظهر المفرجي واخرين..! لابداع المنافي ذلك المصير المحتوم الذي ادركه الشاعر وافصح عنه: (محمد سعيد الصحاف)* كقرار: (عقائدي من القيادة.. الخ)! لذا كانت المواجهة صريحة: (في الطرقات الخلفية تتجول افعى ولاني لن اشرب سما ما او قل: ان اللحظة مثل الصابئة الم
مقهى المعقَّدين وليالي أنسهم
نشر في: 2 نوفمبر, 2009: 03:53 م