TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > مقهى الرشيد (البرلمان) كما عرفته

مقهى الرشيد (البرلمان) كما عرفته

نشر في: 2 نوفمبر, 2009: 03:56 م

ابراهيم الوائلي مقهى الرشيد في بغداد والكاظمية مقاه كثيرة لم يبق منها الان الا القليل وكان بعض تلك المقاهي مثابة للشعراء والادباء والصحافيين، اذكر منها المقهى الصيفي الذي يقع عند الجسر القديم من جهة الكاظمية وكان من ابرز رواده الشاعر الكبير معروف الرصافي حين كان يجمع اوراق شيخوخته ليعلن الرحيل، فقد كنا نشاهده في سنة 1944م عند الغروب وهو يعبر الجسر مشيا من الاعظمية حتى يصل فيستقر على تخت وحده وقد ارتدى العباءة الصيفية واعتمر الكوفية البيضاء والعقال،
وقد نجلس اليه بعد الاستئذان- ونسأله عن شؤون الادب والشعر فيجيب بايجاز ولقد كان في جلسته وحديثه وضخامة تاريخه الادبي يفرض علينا ان نهابه ونحترمه. ومن رواد ذلك المقهى الكاتب الصحافي الراحل يوسف رجيب، واخرون ومازلت اذكر لحظة اهتزاز الشجر من حولنا والكراسي تحتنا بسبب هزة حدثت للارض في صيف سنة 1946 م وكنا جالسين في ذلك المقهى نستمتع بشاطئ دجلة. وفي الكرخ مقهى البيروتي وهو يطل على دجلة عند الجسر وقد انتهى وهدم ودخل في الساحة الكبيرة وكان من رواده بعض الادباء والمحامين اذكر منهم الشاعر محمد الهاشمي والشاعر الصديق عبدالحسين الملا احمد والمحامي الكاتب توفيق الفكيكي وكلهم ودعوا الحياة ومقهى الحاج خليل القيسي وهو يطل على شارع الرشيد قبالة شارع المتنبي وكان من رواد هذا المقهى الشاعر الراحل جميل احمد الكاظمي والشاعر كمال نصرة وغيرهما من الادباء وكان صاحبه الحاج خليل يرحب بالقادمين ويعنى بهم. ونترك مقهى الزهاوي ومقهى حسن عجمي ومقهى البلدية ومقهى الدفاع وغيرها في الرصافة، ومقاهي الكرخ والصالحية فالحديث عن هذه يطول ولكننا نقتصر الحديث على مقهى (البرلمان) او (مقهى الرشيد) كما سمي بعد ذلك، وهذا المقهى يقع في شارع الرشيد قبالة جامع الحيدرخانة وقد عمر اكثر من اربعة عقود فقد افتتح في اوائل الحرب العالمية الثانية واغلق قبل سنوات وقد انشأه الحاج حسين فخر الدين وهيأ له من اسباب الراحة والتسلية ما ينبغي ان يكون وفرش تخوته بالسجاد ليدرأ به برد الشتاء وجمع فيه النرد والشطرنج والدومنة الى جانب الشاي والقهوة والبوارد، واذكر اني دخلت هذا المقهى اول مرة في خريف سنة 1940م وكنت ازور بغداد ثالث زيارة فرأيته على سعته مزدحما بالرواد وبخاصة يوم الجمعة، وقد اعتاد القادمون من النجف ومدن الفرات الاوسط ان يلتقوا فيه ولاسيما الشيوخ والنواب والتجار والادباء وكان صاحبه الحاج حسين فخر الدين، وهو من اسرة نجفية معروفة- على صلة بهؤلاء القادمين فقد كان ينظر اليه بوصفه من الوجهاء لا بوصفه صاحب مقهى. وكنت ارى في هذا المقهى وجوها كثيرة من انحاء العراق فهذا احد ابناء الشيخ شعلان ابو الجون وذاك السيد كامل ابو طبيخ بوجهه الصبوح وثيابه الجميلة، وبالقرب منا صديقنا الراحل عزيز الظالمي بعباءته وكوفيته البيضاء، وذاك صديقنا الراحل جعفر الاعسم جاء لبعض اشغاله وقد يبتسم حين نستعيد الى الذاكرة نبأ اعتقالنا في النجف وقد وجهت الينا تهمة تحريض العشائر على الثورة وفي مقدمتنا الشاعر محمد صالح بحر العلوم، وهذا الصحافي الاديب جعفر الخليلي- يعتمر الصدارة- وقد جاء من النجف يبحث عن ورق لجريدة (الهاتف).. وذاك (نائب) جاء ليعلن عن فوزه في كرسي النيابة، وصوت النرد والدومنة يملأ الاذن قبل صوت المتحدث القريب الا حين تذاع اخبار الحرب وقد تلوح البهجة على الوجوه حين يذاع نبأ عن انتصار دول المحور فقد كان العراقيون يكرهون الانكليز ويتمنون هزيمتهم في الحرب ماعدا الظالعين معهم.. والصديق الراحل الشيخ عبدالباقي العاني امام جامع العاقولية بعمته وجبته جاء يريد قصيدة لمجلة (الناشئة الاسلامية) ولابأس من التسلية بلعبة النرد فقد كان يتجدر فيها.. وكذلك الكاتب الاديب سليم طه التكريتي وهو يبتسم بعد ان تكون مواد جريدة (الرأي العام) قد صارت الى المطبعة والشاعر محمد صالح بحر العلوم يجلس الى نفر من الشباب وعيناه تتحديان القادمين والذاهبين وكان يكره الانكليز والالمان على السواء وربما كان له عذر في ذلك فالانكليز يحتلون العراق والالمان اعلنوا الحرب على الاتحاد السوفيتي. وقد يكون من الرواد صديقنا المؤرخ الراحل السيد محمد علي كمال الدين وقد اعتمر الصدارة التي كانت شائعة انذاك ويده تداعب خرز السبحة، وقد نرى الشاعر الراحل عبدالرزاق محيي الدين يجلس بالقرب من صاحب المقهى ومعه الاديب الراحل عبدالكريم الدجيلي. وفي مكان قريب يجلس الكاتب يوسف رجيب ودخان (النرجيلة) يملأ رئتيه ولعبة النرد تستبد بوقته. ويتكئ الى النافذة الاديب عبدالحميد الدجيلي ولعله يفكر في اللغة والنحو، وكانت على الجدار صورتان وفي اول مايس من سنة 1941 تغيرت احداهما وانتهى شهر مايس فعادت القديمة الى مكانها وطويت الصورة الطارئة، وقلت للحاج حسين: احتفظ بالاطار فقد تتغير الصورة مرة اخرى، فقال: وما يدريك فقد تتغير الصورتان معا. نحن في اوائل العقد السادس من هذا القرن والمقهى مازال مزدحما بالمرتادين والحاج حسين يجلس الى صندوقه عند الباب والكهل الطيب (وهل) يفترش الرصيف قرب باب المقهى وقد نشر الصحف والمجلات وهو في كل صباح ومساء يطوف داخل المقهى ويوزع الصحف على الراغبين في قراءتها ويأخذ من كل واحد اجرا لايتجاوز عشرة فلوس. انتقل بعضهم الى مقاه اخر، وبقي رواد الشطرنج والنرد والنرجيلة واصدقاء مازالوا يبتردون صيفا او يستدفئون شتاء في اوقات الراحة ومنهم خاشع الراوي وفؤاد عباس والمحامي محم

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram